الانتشار العسكري في درعا.. مساعٍ للتوسّع وتقييد المحافظة
تجمع أحرار حوران – عامر الحوراني
لم يحقق اتفاق التسوية الأخير في الجنوب السوري بين نظام الأسد وفصائل المعارضة آمال الأهالي والحاضنة الشعبية للثورة، على العكس من ذلك عادت القبضة الأمنية للنظام أشد بطشًا وأكثر قوّة.
من بين البنود التي نصّ عليها الاتفاق إعادة جيش النظام إلى ثكناته العسكرية التي كان متواجدًا فيها قبل آذار/مارس 2011، فيما تبيّن الاحصاءات التي أعدّها مكتب التوثيق في تجمع أحرار حوران معتمدًا على معلومات أوردها مراسلوه، زيادة أعداد الحواجز في درعا وريفها الضِّعف عمّا كانت عليه قبل التسوية.
ولم يكتفِ النظام بما كسبه من اتفاق التسوية “الهش”، إذ بقي يسعى من خلال أفرعه الأمنيّة لزيادة انتشار قوّاته العسكريّة في مناطق غربي درعا، لم يدخلها حين سيطر على المحافظة في تموز 2018، وبدأت هذه المساعي تتكلّل بالنجاح بالمفاوضات الأخيرة مع اللجان المركزية في المحافظة، المسؤولة عن تسيير أمور المنطقة بواسطة مجموعة من وجهاء المحافظة وقادة سابقون في فصائل الجيش الحر.
“اتفاق” سيطرة جديدة:
بدأت قوات عسكريّة من قوات الغيث التابعة للفرقة الرابعة، أواخر أيار/مايو 2020، نشر نقاط وحواجز عسكريّة جديدة في المنطقة الممتدة من معسكر الصاعقة على أطراف بلدة المزيريب إلى مدينة درعا، ونقضت ما تمّ الإتفاق عليه مع اللجان المركزية في المنطقة.
جاءت هذه المفاوضات عقب موجة تهديدات شديدة اللهجة من نظام الأسد باقتحام عدة مدن وبلدات في ريف درعا الغربي، على خلفية مقتل 9 عناصر من شرطة بلدة المزيريب في الريف ذاته، في 4 أيار/مايو الفائت، بعملية انتقاميّة نفذها رجل يدعى “محمد قاسم الصبيحي” ثأرًا لابنه وصهره بعد أن وجد جثتيهما في منطقة قريبة من حاجز للمخابرات الجوية غربي درعا، عقب اختطافهما بيوم واحد.
وبحسب معلومات حصل عليها تجمع أحرار حوران من عضو في اللجنة المركزية، إنّ النقاط العسكرية التي انتشرت في المنطقة تتكون من 500 عنصر من الفرقة الرابعة و200 من عناصر التسويات، الذين توصّلت المفاوضات لزيادة عددهم بالفترة القادمة من خلال فتح باب الانتساب أمام أبناء المنطقة للفرقة الرابعة ويشمل ذلك تسوية أمنيّة لهم.
ورصد مراسلو تجمع أحرار حوران إقامة الفرقة الرابعة قرابة 30 نقطة عسكرية جديدة بموجب المفاوضات الأخيرة في المنطقة الغربي لمحافظة درعا.
وأضاف عضو اللجنة الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنيّة، سيتم سحب القوات العسكرية، التي قدمت بالتعزيزات على محافظة درعا، إلى حوض اليرموك بعد منتصف الشهر الجاري في حال استتب وضع المنطقة الأمني، على أن يتم استبدالهم بأبناء المنطقة الذين سينضمون للفرقة ويجرون التسويات بعد أن يتلقوا دورة تدريبية عسكرية في معسكر زيزون بريف درعا الغربي، هذا “إن صدق نظام الأسد واللجنة الأمنية المفاوضة عنه في وعودهم”.
بينما يرى ناشطون إنّ الاتفاق الجديد ماهو إلّا حصار وخناق جديد لتقطيع أوصال المنطقة وزيادة نفوذ الفرقة الرابعة والمليشيات الإيرانيّة في درعا، مع عدم الوثوق بالوعود الصادرة عن نظام الأسد بانسحاب هذه القوات العسكرية التي قدمت إلى محافظة درعا منذ مطلع أيّار 2020.
واستقدم نظام الأسد التعزيزات العسكرية المدججة بالأسلحة الثقيلة من الفرقة الرابعة متمثلة بقوات الغيث والفرقة 15 وميليشيا النمر وغيرها من الفرق العسكرية المعروف قادتها بولائهم لإيران مما يعني أن الحملة العسكرية التي كان يلوح النظام بشنّها على مناطق في ريف درعا الغربي وبحسب الصور التي انتشرت لبعض العناصر الذين ينتمون لميليشيات شيعيّة ضمن الأرتال العسكرية التي قدمت للمحافظة كل ذلك يشير إلى أنها كانت بقيادة إيرانية.
في نهاية الأمر رضخ الطرفان للتفاوض بعد تدخل الروس إثر الاحتجاجات الواسعة التي اندلعت من مناطق متفرقة في محافظة درعا تنديدًا بالحملة العسكرية التي كان يحضر النظام لشنّها على المنطقة، لكن هذه المفاوضات يبدو أنها تتخذ منعطفًا لا يرضي أبناء المنطقة الذين ازدادت تخوّفاتهم من نتائجها مع ظهورها للعلن منذ مطلع الشهر حزيران الجاري.
قبل التسوية:
تركزت حواجز النظام قبل اتفاق التسوية على طول أوتستراد دمشق – عمان، والطريق القديم بين دمشق – درعا، إضافة لعدد من الحواجز المنتشرة على مداخل القرى الخارجة عن سيطرة النظام في تلك الفترة، وتوزعت تلك الحواجز بين الأمن العسكري والفرقتين الخامسة والتاسعة، في حين سيطرت الجوية على الحواجز المتواجدة على أوتستراد دمشق – عمان.
مارست تلك الحواجز بطشها المعتاد على المدنيّين، وكانت تشن حملات اعتقال دورية عقّب كل هزيمة عسكرية لقواتها، أو بعد خسارة أحد ضباطها، حيث استهدفت الاعتقالات أبناء القرى التي قتل فيها الضباط، أو المناطق التي مُني فيها النظام بهزيمة، زيادة على ذلك كانت الحواجز القريبة من مناطق سيطرة الفصائل العسكرية تشكل ما يشبه الحدود بين بلدين، إذ فُرضت أتاوات ورسوم جمركية على إدخال البضائع والسلع الأساسية للمناطق المحررة آنذاك، وكان تقاسم الأرباح والأتاوى يتم بين عناصر الحاجز والمسؤول عنه من فروع النظام الأمنية مع نهاية كل يوم.
بعد التسوية :
ازداد عدد الحواجز العسكرية بشكل ملحوظ بعد اتفاق التسوية، ولم تتغيّر معاملة الحواجز مع أبناء المنطقة، بالرغم من اعتماد النظام على عناصر التسويات في نصب حواجز جديدة في المناطق التي دخلها، حيث جنّد الأمن العسكري عددًا من قادة الفصائل من بينهم القيادي السابق في جيش الثورة “عماد أبو زريق”، الذي سيطر على بعض الحواجز العسكرية بالقرب من معبر نصيب الحدودي مع الأردن، والقيادي السابق في الجيش الحر “مصطفى قاسم المسالمة” الملقب بـ”الكسم” في مدينة درعا، وأوكل إليهم مهمة ضبط الحواجز وفرض رسوم على سيارات النقل العامة من وإلى الأردن أو ما بات يعرف بـ”الفتوح” بهدف تمويل عناصرهم ذاتيًا.
الجديد في معادلة الحواجز العسكرية هي دخول المخابرات الجوية بقوّة إلى المنطقة، وكذلك المكتب الأمني للفرقة الرابعة، بالرغم من أنّهما يتبعان لإيران بشكل مباشر، وهو ما يخالف التعهدات الروسية والضمانات التي قدمتها لدول الجوار.
الانتشار والسيطرة :
انتشرت حواجز النظام ضمن مناطق التسويات في ريفي درعا الشرقي والغربي ومدينة درعا، بشكل غير مسبوق، تضاعفت فيه أعداد الحواجز والعناصر، حيث تجاوز عدد الحواجز في درعا وريفها 150 حاجزًا، توزّعت بين فروع النظام الأمنية “الجوي – العسكري – السياسي – المخابرات العامة”.
وبلغ عدد الحواجز العسكرية في ريف درعا الشرقي أكثر من 60 حاجزًا، كان للمخابرات الجوية النصيب الأكبر منها، إذ تجاوز عدد حواجزها 30 من بلدة السهوة جنوبًا وصولًا إلى منطقة اللجاة شمالًا، في حين نصب الفيلق الخامس 4 حواجز في بصرى الشام ومعربة وخربا وجبيب، وتجاوز عدد الحواجز التي تتبع للمخابرات العسكرية 20 حاجزًا تشمل بلدات صيدا والجيزة والطيبة والنعيمة وأم المياذن ونصيب وعدة قرى في منطقة اللجاة، فيما كان نصيب أمن الدولة 6 حواجز منتشرة في منطقة اللجاة .
كما تمكنّت الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية من نصب حواجزها لها عند مداخل جمرك نصيب الحدودي في منتصف آذار/مارس الفائت، بقوام 180 عنصرًا، بعد أكثر من سنة ونصف على اتفاق التسوية.
أما في الريف الغربي من المحافظة فقد بلغ عدد الحواجز ما يزيد على 68 حاجزًا (من دون النقاط العسكريّة التي نشرت مؤخرًا بموجب المفاوضات الأخيرة)، تشمل مناطق حوض اليرموك التي تسيطر عليها الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية والفرقة الخامسة بأكثر من 24 نقطة تفتيش في قرى وبلدات تسيل وعين ذكر والشيخ سعد وصولاً إلى مثلث الحدود السورية – الأردنية، والحدود مع الجولان المحتل.
وتجاوز عدد حواجز المنطقة الوسطى من الريف الغربي 13 حاجزًا، تسيطر المخابرات الجوية على 9 منها في داعل والشيخ مسكين والشيخ سعد ونوى، لتشكل ميليشيات إيران بهذه الحواجز طوقًا أمنيًا يحيط بالمناطق التي تعتبر ملاذاً لرافضي التسوية، أو الرافضين للانضمام إلى قوات الأسد في المنطقة، وتعتبر تلك الحواجز مسؤولة عن أغلب عمليات الاعتقال والاغتيال في المنطقة.
في الريف الشمالي الغربي من المحافظة “منطقة الجيدور” انتشرت 10 حواجز عسكرية لأمن الدولة في مدن جاسم وانخل والحارّة ونمر وسملين وزمرين، في وقت سيطر فيه الأمن العسكري على 11 حاجزًا في منطقة الصنمين حتى بلدات غباغب ومنكت الحطب وكفرشمس والطيحة والمال، كما نشر الأمن السياسي حواجزه في بلدات ديرالبخت وديرالعدس في ذات المنطقة.
وزاد عدد الحواجز في مدينة درعا على 17 حاجزًا تتبع للمخابرات العسكريّة والجويّة والفرقة الرابعة والأمن السياسي والفرقتين الخامسة “ميكا” والخامسة عشر “قوات خاصة”.
ويبدو أن الهدف من هذا العدد من الحواجز والنقاط العسكرية هو إحكام القبضة الأمنية على المناطق التي كانت خارج سيطرة النظام، وزيادة النفوذ الإيراني فيها، ومنع أي تحرّك مدني أو عسكري، بالإضافة لهدف جوهري يتمثّل في التخلّص من المعارضين سواء عبر الاغتيال أو الاعتقال.
اقرأ أيضًا.. “الاغتيالات في درعا” عمليات ممنهجة تحصد أبناء المحافظة.. فمن المسؤول؟