برج خليفة لا يضيء المخيمات السورية ولا يظل سكانها
تجمع أحرار حوران – حسام البرم
ضمن مشهدين، حصد أحدهما ملايين المشاهدات والآخر صورة واضحة للإنسانية، تداولتهما وسائل التواصل الاجتماعي السورية خلال الأسبوع الماضي، وتتبعوا أبطالهم، تتضح الهوة بين حياتين من الترف والفقر، والانقسام بين من مؤيد وعاتب وناقم.
ولم يكن الشاب، الذي التقط صورة للطفلة التي تحمي رأس والدها بقطعة كرتونية وهو يقود دراجته النارية حاملاً مؤونة عائلته من “الفليفلة الحمراء” ووضعها على صفحات التواصل الاجتماعي، يخمن أهمية ما ستحكيه هذه الصورة من قصة إنسانية ستؤثر في حياة السوريين وغيرهم ممن شاهدها، والذين رأوا فيها عبر مشاركتها وإعادة نشرها وجهاً من وجوه الإنسانية في الطفلة التي تحمي والدها من ارتفاع درجات الحرارة.
هبة أحمد زقاق (١١ عاماً) كانت بطلة هذه الصورة التي اتفق الجميع على حبها والتعاطف معها، قبل أن يعرفوا بيُتمها وتركها لمقاعد الدراسة بعد نزوحها وسكنها برفقة عائلتها في غرفتين بنيتا من بقايا طوب المنازل المهدمة مسقوفتان بشادر قماشي بالقرب من مخيم الضياء بريف إدلب.
تعاني الطفلة من نقص في السمع تسببت به غارة جوية لطيران نظام الأسد على منزلها، دون أن تخضع للعلاج الذي تفوق كلفته قدرة والدها، كذلك لم يسعفها الحظ بالحصول على سماعة أذن لتكمل حياتها كرفيقاتها وتكمل دراستها، إذ يتراوح سعر السماعة بين (١٢٠ -٦٠٠ دولار) بحسب نوعيتها وجودتها.
تعيش هبة وعائلتها المكونة من خمسة وعشرين شخصاً، تساعدهم على تدبر أمورهم، خاصة مع تعرض زوجتين لإخوتها للقصف الذي أدى إلى وفاتهما، تاركين خلفهم أطفالاً صغاراً يحتاجون للعناية، يخيم عليهم والدها الذي تظهر على وجهه ملامح من التعب وتفيض بالحب والحنان.
بعيداً عن المكان الذي تعيش فيه هبة بآلاف الكيلو مترات، يعيش أنس مروة وزوجته أصالة كعائلة سورية تنقل يومياتها للمتابعين عبر قناتهم في اليوتيوب، ليبدؤوا منذ أسابيع بالتحضير لمعرفة جنس مولودهم الثاني، هذه المرة ستكون الوجهة دبي، والطريقة على مستوى الحدث.
فيديو الإعلان عن جنس الجنين، شاهده ملايين المتابعين عبر العالم، ودفع لأجله نحو مئة ألف دولار لإضاءة برج خليفة باللون الأزرق وعبارة مكتوبة بلغة إنجليزية، ولثوان معدودة، لقد عرفنا أن المولود كان ذكراً وأن “ميلا” تنتظر أخاً هذه المرة.
كلفة الحفلة الكاملة وصلت لنحو مئة ألف دولار دفعت كـ “إيجار للبرج وإقامة الأشخاص الذين قدموا للاحتفال من أصدقاء أنس وأصالة في الفنادق وتجهيزات الاحتفال”.
لم يتفق الجميع على حب الفيديو كصورة هبة، وانقسموا فيما بينهم بين مستاء ومعاتب وغاضب وراض، حجة المدافعين كانت أنها أموالهم وبإمكانهم صرفها بالطريقة التي يرغبون بها، لم يكن هناك دفاع آخر إذاً سوى الحرية الشخصية، ولم يستطع أحد تصنيفها في خانات أخرى.
في حين كان المنتقدون يحاولون تسليط الضوء على معاناة السوريين التي ينتمي لهم الزوجان، خاصة وأن أنس نشأ في عائلة معارضة لأب حقوقي شغل منصب نائب رئيس الائتلاف السابق، ونشط في الشأن الإنساني قبل زواجه عبر نشر فيديوهات تنتقد الوضع السياسي والحياة المعيشية في سوريا.
وليتحول بعد زواجه لنقل يوميات عائلته المرفهة رفقة زوجته وطفلته، والتي كان آخرها ما لم يقم به أصحاب برج خليفة وأمرائه بتحديد جنس طفله عبر مئات الآلاف من الدولارات، وليبرر الزوجان ما حدث بأن الحفل كان بمثابة نقطة فاصلة حول انتقالهم للعيش في أمريكا بدلاً من كندا!
مشهد ثالث ارتبط بالمشهدين السابقين، كان بطله والد أنس، هشام مروة، وعنوانه “شهداء الثورة لن تضيع دماؤهم هدراً”، ينقلك المشهد الأخير إلى حفلات يقيمها أبناء المسؤولين السوريين في مختلف دول العالم، بينما يحاضر آباؤهم علينا في العفة والشرف والصمود.