ضحايا بالعشرات.. من المسؤول عن فوضى السلاح في درعا؟
تجمع أحرار حوران- أميمة القاسم
ينص المرسوم التشريعي، رقم “51” عام 2001، من قانون حيازة الأسلحة السوري، على 55 مادة ضبطت موضوع “الأسلحة و الذخائر” في المجتمع السوري بكافة جوانبه.
المادة “5” من المرسوم تنص على “حظر حمل أو حيازة المسدسات الحربية وبنادق الصيد وذخائرها من غير ترخيص مسبق”.
وتحرم المادة “11” من المرسوم التشريعي استعمال الأسلحة في المناطق السكنية وأثناء التجمعات مثل الحفلات والمخيمات، وفي المناطق الصناعية والنفطية.
أما المادة “18” تشترط في طالب أي ترخيص أن يكون قد أتم الـ 25 من عمره، وأن يكون غير محكوم، ومقيمًا على الأراضي السورية، فضلًا عن أهليته الصحيّة.
ولكن هذه المواد لم تعد “قيد التنفيذ” منذُ انطلاق الثورة السورية عام 2011، لا سيما بعد تحوّل الحِراك السلمي إلى مُسلح نتيجة القبضة الأمنية الخانقة على المتظاهرين والتنكيل بهم.
وفي هذا الشأن يقول مدير المكتب الحقوقي في تجمع أحرار حوران، المحامي عاصم الزعبي “بعد خروج معظم الأراضي السورية من يد الدولة، أصبح من المستحيل تطبيق القانون الخاص بشروط حيازة السلاح، وما يتبعه من عقوبات حسب قانون العقوبات السوري بحق من يحمل السلاح ويستعمله دون ترخيص، وهو ما أوصل البلاد إلى حالة من الفوضى، لاسيما أن الكثير ممن يحملون السلاح يبررون ذلك بالدفاع عن النفس في ظل الانفلات الأمني في شتى المناطق السورية”.
اقرأ أيضًا.. اللواء ناصر ديب: الوضع الأمني الداخلي استعاد عافيته.. ماذا عن الـ 285 جريمة في درعا؟
من جانبه أكد ياسر وهو مُقاتل سابق في الجيش الحر في درعا، أن النظام السوري هو من عِمد على تفشي ظاهرة حمل السلاح عندما لجأ لوأد الثورة وتحوير سلميّتها، حين أوعز لميليشياتهِ بإطلاق النار على المتظاهرين، وأجبر الثوار على حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم وعن المتظاهرين، وانتشرت هذه الظاهرة بكثرة فيما بعد عندما استعان النظام بميليشيات خارجية منها ميليشيا “حزب الله” و الميليشيات العراقية وغيرها للقضاء على الحِراك الشعبي ضده.
ومن جهته قال القائد السابق في الجيش الحر “أبو عمر الزغلول” إن النظام السوري كان له غايات من انتشار السلاح بين المدنيين، لتغيير مسار الثورة وإخراجها من صِبغتها السلمية، وإيجاد مُبررات أمام المتجمع الدولي، باقتحام بعض المناطق التي شهدت احتجاجات شعبية، وقمعه للمتظاهرين السلميين.
فرح تحوّلَ لمأتم:
تجري العادة في سوريا على وجه العموم أن يتمّ إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات السعيدة، للتعبير عن الفرح، ومحاولة لمنح القيمة للحدث، حيثُ يُطلق الكثير من “الرصاص” على شرفِ صاحب المناسبة، أما اليوم لم تعد تقتصر هذه الطريقة في التعبير عن الفرح فقط، بل أصبح “مشط الرصاص” الراعي الرسمي لجميع المناسبات السورية.
في مدينة طفس التي تبعد عن محافظة درعا 13 كم، أصيب طفل أثناء إطلاق النار احتفالاً بزفاف أحد أبناء المدينة، في 2 تشرين الأول الفائت.
في 8 آب الماضي أصيب عدد من المواطنين بينهم أطفال في عدة مناطق من محافظة درعا، وذلك جرّاء إطلاق النار عشوائياً أثناء الاحتفال بنتائج الناجحين بشهادة التعليم الأساسي.
وتسببت مشادة كلامية بطعن طفل نُقل إلى المستشفى، لتتحول بعدها إلى مشاجرة بين عائلتين انتهت بمقتل شاب وجرح 6 آخرين، نتيجة استخدام الأسلحة الخفيفة.
ووثق مكتب توثيق الانتهاكات في “تجمع أحرار حوران” وقوع أكثر من 20 ضحية نتيجة استخدام السلاح عشوائياً في مختلف مناطق درعا منذ بداية 2020.
حيازة السلاح أسهل من الحصول على رغيف الخبز:
“إن انتشار الأسلحة اليوم على نطاق واسع هو أمر لا يمكن إنكاره، نتيجة الانفلات الأمني التي تشهده محافظة درعا، واليوم مُعظم المنازل يوجد فيها سلاح، في حين تفتقر أغلبها وجود الخبز أو الطحين” حسب قول شاهر الخطيب من بلدة الجيزة لـ”تجمع أحرار حوران”.
وهذا ما أكده ياسر قائلاً أن “المشاجرة التي كانت تتم باستخدام اليد، أصبحت الآن تتم بالسلاح، نتيجة تنامي ثقافة العنف المُسلح، ليس فقط في محافظة درعا، بل في كافة المحافظات السورية”.
ومن جهته قال المحامي عاصم الزعبي “حتى بعد أن استعاد النظام السوري سيطرته على قسم كبير من الأراضي السورية، لم يتمكن مع حلفائه الروس من إعادة ضبط موضوع حيازة السلاح، أو حتى الحد من انتشاره، فهناك عشرات المستودعات من الأسلحة والذخيرة بمختلف أنواعها لا تزال مدفونة لحساب بعض المجموعات، أو موجودة بمنازل الكثير من المدنيين، لاسيما من كانوا يتبعون لفصائل المعارضة”.
وأضاف الزعبي “الحصول على السلاح هو أمر بسيط حاليًا، فالسلاح منتشر في كل مكان، ولا يوجد أي ضوابط للحصول عليه، وليس هناك قانون نافذ يحدد شروط حيازته، ويساعد في ذلك وجود عدد كبير من تجار السلاح الموزعون في جميع أنحاء سورية، وعدم قدرة السلطات السورية على ضبط هذه الظاهرة”.
من يمنع عسكرة المجتمع السوري “ظاهرة التسلّح”؟
تغيب الجهات الرسمية عن الحد من ظاهرة انتشار السلاح، في ظل الفلتان الأمني الذي تشهده مناطق سورية، خصوصاً أن كل منطقة تقع تحت سيطرة جهة مُختلفة تحكمها وتُبرم قوانين تصب في مصلحة الجهة التي تسيطر على هذه المناطق.
يقول أبو عمر “أن النظام الفاسد لا يُمكنه الحد من هذه الظاهرة لأنه هو من اختلق العبثية بين أطياف المجتمع، وساهم في انتشار الفوضى التي لم يستطع حتى المجتمع الدولي السيطرة عليها، وهناك فرق ما بين نظام له قوانين ودستور، وما بين نظام يحكمه زمرة دموية كما هو في سورية”.
ويرى المحامي عاصم الزعبي أنه لا يمكن إيجاد حل لفوضى السلاح إلا بعد إيجاد حل سياسي، وخوض عملية عدالة انتقالية يتم بموجبها محاسبة جميع المتورطين بالجرائم، وبعد ذلك يتم الانتقال لعملية جمع السلاح وفق آليات معتمدة لدى المجتمع الدولي، والتخلص منه، وهذه العملية تحتاج لدعم دولي، ولجان مختصة ولا تقل أهمية عن أي عمل آخر بعد نهاية أي حرب” حسب قوله.
وتعتبر الأمم المتحدة أن عملية نزع السلاح بالغ الأهمية في كل من عمليتي تحقيق الاستقرار الأولية للمجتمعات الممزقة وعملية تنميتها طويلة الأجل، ضمن خطة بناء سلام شامل.