الدعارة.. آفة تعيش ذروة نشاطها في سوريا بتسهيلات حكومية
تجمع أحرار حوران – أميمة القاسم
“لم تعد فعل لا أخلاقي، بل أصبحت مهنة نمتهِنُها لسد احتياجاتنا الأساسية، في ظل هذه الظروف”، هكذا أجابت نورمان “اسم مستعار” عند سؤال أحرار حوران لها عن سبب عملها في الدعارة.
لم تكن تعلم نورمان البالغة من العمر 38 عامًا، أنّ مسار حياتها سيتغير بعد وفاة زوجها، وتصبح مُعيلة لطفلتين وسط حرب اقتصادية يتسبب بها نظام الأسد على المدنيين في مناطق سيطرته بالإضافة لسياسته الدكتاتورية في باقي المناطق.
تقول نورمان: “منذ ثلاث سنوات وبعد وفاة زوجي وجدتُ نفسي وحيدة، ولم يكن لدي المال الكافي، لأُعيل نفسي وطفلَتيَّ، عملتُ بدايةً في معمل خياطة وكان مرتبي لا يكفي حتى أجار المنزل، وبالرغم من ذلك كان صاحب العمل يتأخر في تسليمي المرتب، بعدها أصبح يوجه لي كلمات خادشة للحياء، كنتُ أتجاهل ذلك للحفاظ على فرصة عملي، وبعدها طلب مني أن أمارس الجنس معه، مقابل أن يعطيني مُرتبي بعد تأخيرهُ في تسليمي لشهرين، وافقتُ على ذلك لأنني بحاجة إلى المال، وبعدها أصبحت أمارس هذا العمل لكسب النقود”.
تُضيف نورمان أن الفقر وغلاء الأسعار أهم الأسباب التي دفعتها للعمل في الدعارة، وأن الدعارة ليست خيار في منطقة كل ما فيها فاسد بحسب قولها.
كان الخوف هو المُسيطر في قصة وداد “اسم مستعار”، فمازالت صورة الضابط عالقة في ذاكرتها، عندما أشارَ إليها الضابط وهي تستقل أحد الحافلات في طريق عودتها للمنزل.
وعن ذلك تروي “كانت معي صديقتي عندما طلب منا الضابط النزول من الحافلة عند الحاجز، بعدها اِقتادنا لسوبر ماركت مهجورة، قال لنا: منذ شهور لم أزور منزلي، وأنا بحاجة لواحدة منكن، وقام بإغلاق الباب، ثم طلب من صديقتي أن تخلع ثيابها فبدأت بالبكاء بشكل هستيري، قام باغتصابها أمامي، ثم طلب مني أن أمارس الجنس مع العسكري أمامه، هنا نحن لسنَّ مُخيرات، كل شيء نقوم به رغماً عنا لنحافظ على أرواحنا فقط”.
وتُضيف وداد “لم تعد سورية كما كانت إنها أشبه بالغابة لا يحكمها قانون، والضعفاء مثلنا ليس لهم حق الاختيار أو حتى الرفض، حتى أثناء مروري على الحواجز وتحرش بعض العساكر الذين يعلمون عن عملي، أشعرُ بالذل في طريقة تعاملهم معي، إنهم لا يعرفون الرحمة حتى عند إفراغ رغباتهم”.
عناصر وضباط من جيش الأسد زبائن وأصحاب عمل
تُقيم وداد البالغة من العمر 35 عام، في جرمانا بريف دمشق، وهي تعمل في الدعارة منذُ أن كان عمرها 19 سنة، بعد أن أجبرها زوجها على ذلك، لكنها تقول أن عملها سابقاً كان بشكل سري جداً، وأن “زبائنها” كما تصفهم كانوا محددين، واليوم هي تعمل بشكل شبه علني وأكثر زبائنها ضباط من جيش الأسد وعساكر بالإضافة إلى شبان من الجنسية العراقية.
وحول ذلك تروي وداد “عندما أُدعى إلى حفلة وفيها عناصر من جيش الأسد، أُمنع من إدخال هاتفي النقال إلى المنزل، وغالباً لا أعلم أسماءهم الحقيقية، في إحدى المرات دُعيت إلى سهرة، في بيت امرأة عراقية في جرمانا، كان معنا ضابط على ما يبدو أنه رفيع المستوى، عرفتُ ذلك من الاهتمام الشديد به، والحرص على تلبية جميع رغباته، في البداية رفض الجلوس معنا في الصالة،وبعد قليل أخذ فتاة عشرينية وقام بتفتيشها أمامنا قبل دخولهما إلى الغرفة”.
تعمل وداد مع مجموعة من النساء جُلهنّ مُعيلات لعوئلهنَّ، تقوم المسؤولة عنهنَّ بتحديد المبلغ المالي للزبون، ثم مناصفة هذا المبلغ معهنَّ، والتسعيرة تكون حسب عمر الفتاة والوقت التي ستقضيه مع الزبون، وغالباً لا يتعدى المبلغ 25 ألف ليرة سورية، بحسب قول وداد.
أما حسنة “اسم مستعار” تجني أكثر من 100 ألف ليرة سورية شهرياً من عملها في الدعارة، وذلك لأنها تعمل بإشراف شخص نافذ بحد قولها.
حسنة البالغة من العمر 26 عامًا، تعيش بمفردها في مساكن برزة في دمشق، بعد أن طلّقها زوجها وبقيت بلا عائلة، فأفراد عائلتها سافروا إلى ألمانيا قبل طلاقها ولا سبيل للم شملها، كونها تعدّت العمر القانوني لإجراءات لم الشمل.
عبّرت حسنة عن عملها في الدعارة بـ”الجنس من أجل البقاء”، شارحة أن علاقاتها مع شخصيات نافذة في نظام الأسد، يجعلها في حماية دائمة، وبعيدة عن الخطر والمسؤولية، حيثُ أن هذه الشخصيات تتولى حمايتها وتُؤمن لها التغطية اللازمة في حال تعرضت لمشكلة أثناء عملها، أو حتى إذا داهمت الشرطة الأخلاقية المكان”.
تروي حسنة قصتها، “دُعيت إلى حفلة في جرمانا، وبعد أن وصلت بنصف ساعة تمت مداهمة المنزل من قبل شرطة الآداب، اقتادونا إلى قسم الشرطة، وهناك أجريتُ مكالمة مع ضابط وأخبرني أنه سيتم إخلاء سبيلي في اليوم التالي، وفعلاً خرجتُ صباحاً بكفالة شخص عن طريق ضابط الشرطة، رغم ذلك أنا غير سعيدة لبيع جسدي مقابل بقائي في أمان وسط هذا الخوف كله”.
يدفع ضبّاط الأسد آلاف الليرات السورية، لحل مشاكل بيوت الدعارة ولكفالة النساء اللواتي يعملنَّ في تلك البيوت، في الوقت الذي يعجز المواطن عن تأمين لقمة عيشه، ووقوف مئات المدنيين أمام طوابير الخبز والغاز.
وداد ليست واحدة من أولئك الذين يعانون لتأمين احتياجاتهم اليومية، فهناك عسكري يؤمن لها الغاز شهرياً مقابل المبيت معها في المنزل كل أسبوع.
وفي سياق ارتياد ضباط الأسد وقادة ميليشياته منازل الدعارة، كشفت وسائل إعلام في وقت سابق، القيَ القبض على “أحمد الهليِل” الذي يشغل منصب مسؤول الانضباط في ميليشيا الدفاع الوطني، داخل بيت للدعارة في دير الزور.
لم يكن الحصول على شهادات تلك النساء بالأمر السهل، وجميعهنَّ رفضنَ التصريح بأسمائهنَّ الحقيقة، وبعضهنَّ امتنعنَ عن الخوض بالمزيد من التفاصيل كي لا يُعرفنَ من خلال القصص التي سيتحدثنَّ عنها.
الصحفية نورمان “اسم مستعار”، والتي تعمل لصالح منظمة في مناطق سيطرة الأسد، عبّرت لتجمع أحرار حوران عن استيائها من انتشار ظاهرة الدعارة وأرجعت ذلك للفقر الذي ينهش بالجسد السوري الاجتماعي قبل الاقتصادي، والذي دفع الكثير من النساء والفتيات لبيع أجسادهنَّ مقابل المال أو المأوى والأمان.
تقول نورمان “أن العمل بالدعارة لم يعد وصمة عار كما كان قبل الحرب، اليوم نشاهد الانحلال الأخلاقي بشكل علني، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وهناك أشخاص يتلقفون النساء من المُهجرات أو اللواتي يُعيلنَّ أسرهنَّ لتشغيلهنَّ في الدعارة، ومن جانب آخر هناك نساء أخذنَّ مواقع التواصل الاجتماعي كبيوت للدعارة بقصد كسب المال”.
اقرأ أيضًا.. السرقات في درعا.. من المسؤول؟
نصوص قانونية خجولة بشأن الدعارة
يقول الكاتب الألماني كارل كراوس الفساد أسوأ من الدعارة، فالدعارة قد تفسد أخلاق فرد، لكن الفساد يفسد أخلاق البلد بأكملها.
هذا الفساد برعاية بشار الأسد، وميليشياته دفع الكثير من النساء للاتجار بأجسادهنَّ من أجل الحصول على لقمة عيشهنَّ، ولم يجعل لبعضهنَّ سبيل حتى في التشافي كما هو حال وداد التي حاولت الانتحار لأنها مُجبرة على العمل في الدعارة لتأمين لقمة عيشها.
يرى محامون سوريون أن نصوص القانون بشأن الدعارة في سورية مُعيبة ومُخجلة، وتُميز بين الذكر والأنثى في العقوبة، حيث أن القانون يُعاقب المرأة التي ضُبطت تمارس الجنس مقابل المال بالحبس فترة تتراوح مابين ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، وتُعفي الرجل من العقوبة، وأغلب المحاكم تأخذ بالحد الأدنى للعقوبة وهو ثلاثة أشهر، كما أوضح لنا المحامي علي المفعلاني.
ويُضيف المفعلاني: ” أن القائمون على تطبيق العقوبات هم أصلاً من يروجون للدعارة ويحمون الداعرات، وبالتالي نظام الأسد له مصلحة ويد في الانحلال الاجتماعي والأخلاقي الذي وصل إليه بعض السوريون في مناطق سيطرته، خصوصاً فيما يجنيه من غرامات بهذا الشأن”.
اقرأ.. خبز القنيطرة لا يصلح علفاً للأبقار
الدعارة من وجهة النظر النفسية
تُفضي الفطرة السليمة أن يكون إشباع الغريزة الجنسية من خلال علاقة ارتباط عاطفي ومُباح كالزواج، وأي ممارسة دون عاطفة فإنه مؤشر لوجود خلل نفسي.
يعتبر الفقر غالبًا هو الدافع الظاهر لتوجّه بعض النساء إلى ممارسة الدعارة، خاصة في المناطق المشتعلة بالحروب والمُنهارة اقتصادياً، ولكن هذه الظاهرة معقدة ولا يمكن تفسيرها من خلال عامل واحد، كما يُروجنَّ معظم النساء اللواتي يمتهنَّ الدعارة، فلو كان الفقر هو العامل الوحيد لوجدنا أغلب الفتيات اتجهنَّ لهذا الفعل.
لكن الفقر هو العامل المُفسر للدعارة، ولكل فتاة اتخذت هذا الطريق قصة تُخفي ورائها أبعاد أكثر عمقاً وألماً، بعض الفتيات لم يكن الفقر بقصصهنّ عامل لممارستهنَّ الدعارة، فهناك عوامل أكبر خطورة ومنها (التفكك الأُسري، العنف، انخفاض مستوى التعليم، البحث عن الأمان)، بحسب مستشارة الصحة النفسية الدكتورة غالية العشا.
وهذا ما أكدته ليندا “اسم مستعار”، البالغة من العمر 22عام، والتي تُقيم مع جدتها في ركن الدين بدمشق، بعد انفصال والديها.
تروي ليندا لتجمع أحرار حوران “لم يكن المال هو الدافع الأول لممارستي الدعارة، ولكنني كنتُ أبحث عن علاقات أشعر من خلالها بالدفء، بعد انفصال والديَّ وعدم اكتراثهما بي، أصبحتُ أشعر بأنني عبءً على الدنيا بأكملها ليس فقط على جدتي، حتى تعرفت على رجل يكبرني ب15 عام، وهو من أوصلني إلى ما أنا عليه الآن”.
يسعى نظام الأسد جاهداً بتفكيك المنظومة الاجتماعية للأُسر السورية، كما سعى لتدمير سوريا بأكملها مقابل بقاء الأسد في الحكم، ولا شك أن الأفرع الأمنية التابعة لنظام الأسد استخدم الداعرات لجمع المعلومات الاستخبارية عن شخصيات مهمة سواء كانت مؤيدة أو معارضة لهذا النظام الفاسد، بحسب الصحفي أحمد السيد.