مشهد من الجحيم.. رحلة مُهاجر سوري من اليونان إلى ألبانيا
تجمع أحرار حوران – وردة الياسين
شهد اليوم الثامن من كانون الثاني من العام الجاري 2021، احتراق قارب مطاطي (بلم) في البحر الأدرياتيكي وهو “أحد فروع البحر المتوسط” بين ألبانيا وإيطاليا.
وكان على متن القارب 55 شخصًا من المهاجرين السوريين بينهم نساء وأطفال، دفعتهم الحرب في سورية للبحث عن حياة أكثر أمنًا واستقرارًا في دول أوروبا الغربية.
يروي محمد صبّاح لـ”تجمع أحرار حوران” تفاصيل احتراق عدد من المهاجرين على متن القارب، محمد من بلدة الكرك الشرقي في ريف درعا الشرقي، وأحد المهاجرين الذين كانوا على متن البلم.
بداية محفوفة بالأكاذيب
يقول محمد “تم احتجازنا من قبل المهربين، داخل منزل في ألبانيا لمدة 17 يومًا بعد أن تم تجريدنا من هواتفنا النقالة، ونظرًا لصعوبة الرحلة والمعاناة التي شهدناها للوصول إلى ألبانيا، قررتُ أنا ومجموعة العودة إلى داخل ألبانيا وانتظار رحلة جديدة، بعد مشاهدتنا للقارب المطاطي (البلم) وعدد الأشخاص الهائل الذين يريدون أن يستقلّوه لنقلهم إلى إيطاليا، لقد قلتُ لنفسي عند مشاهدة القارب أننا ذاهبون لموتنا لا لحياة جديدة، لقد تم خِداعنا من المهرّبين، حيثُ أنهم قالوا لنا أن الرحلة ستكون على متن يخت، لنكتشف بعدها حتى القارب المطاطي لم يكن من النوع الجيد ليتحمّل هذا العدد الكبير”.
مساء يوم الجمعة في الثامن من كانون الثاني، أُجبرنا من قبل المهربين الألبان أنا والأشخاص الذين كانوا معي بالرحلة، ويتجاوز عددهم 53 شخص، وضعونا في قارب مطاطي صغير وانطلق بنا في البحر من ميناء فلوري في ألبانيا باتجاه إيطاليا.
يذكر أن ألبانيا تمثل نقطة عبور أساسية لكثير من المهاجرين واللاجئين الذي يسعون للهجرة من آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا الغربية عبر ما عرف باسم طريق البلقان.
أمواج عاتية ونيران حارقة!
ركب محمد ومن معه في حوالي الساعة السادسة مساءًا في البلم، الذي شهد حادثة الاحتراق بعد أقل من نصف ساعة من لحظة انطلاقه.
يروي لـ”تجمع أحرار حوران” ما حدث أثناء رحلته “بعد أقل من نصف ساعة من انطلاقنا، هبّت عاصفة بحرية شديدة، بدأت تجرنا في عرض البحر، وراحت الأمواج التي وصل ارتفاعها إلى أكثر من ثلاثة أمتار تتقاذفنا”.
ويُضيف محمد “بدأ البنزين يتسرّب من محركات القارب المطاطي في ظل العاصفة الهائجة، بدأنا نسمع أصوات الانفجار، ورافقه صرخات الناس من حولي، لقد كان المشهد مروّع وكأنه مشهد من فيلم، سرعان ما التهمت النيران أعداد منا، ما دفعنا لقذف أنفسنا إلى البحر لننجو، كانت النيران تلتهم أجساد بعض الأشخاص من حولي، وكان الخوف يُسيطر على المكان ورائحة الغاز والكيروسين تملئان الهواء الذي نستنشقه”.
بدأ بعضنا يسبح لينقذ نفسه من الغرق والبعض الآخر يُصارع الأمواج المُرتفعة وكأنها قررت ابتلاعنا، بقينا على هذه الحال حتى الساعة الثانية عشر ليلاً، خمسُ ساعات وكأنها جزء من الجحيم، شعرتُ فيها أن الموت محتوم ولا سبيل للنجاة، وفجأة توسط ظلام الليل ضوء خافت تبين أنها دورية لخفر السواحل، نقلونا بقاربهم وأعادونا إلى ألبانيا.
مصير مجهول
كُتب لمحمد مسيرة حياة ثانية بإنقاذ خفر السواحل له ولثلاثة عشر شخصًا، نقلوا إلى مستشفى في العاصمة الألبانية (تيرانا)، لتلقي العلاج، بينما نُقل الباقون إلى مخيم اللاجئين بالقرب من العاصمة.
وفي هذا السياق يقول محمد “خرجت بعد ثلاثة أيام من المستشفى، وحالفني الحظ أنا واثنين آخرين، حيث أن الحروق التي تعرضنا لها كانت من الدرجة الخفيفة، في الوقت الذي كان معنا أشخاص حروقهم بالغة الخطورة، وأنا الآن أُقيم في مخيم اللاجئين مع عشرات الأشخاص من المهاجرين السوريين”.
ويضيف محمد أنه ينتظر مصيراً مجهولاً في الكامب، شارحًا “أنا الآن لا أعرف ما هو مصيري، ولا أعرف ماهي المدة التي سأقضيها هنا، الوضع سيء جدًا، ولا أريد أن يطول انتظاري، بعد أن خاطرتُ كل هذه المخاطرة لأكون بأمان”.
الجدير بالذكر، أن مئات السوريين لقوا مصرعهم غرقًا في رحلات الموت، ففي لقاء مع “وكالة الأناضول“، أوضحت المسؤولة في مشروع المهاجرون الضائعون “مارتا سانشيز ديونيس”، “لقد تمكنّا من تحديد جنسية 497 غريقًا سوريًا، في الفترة مابين بين 2014-2018، ووثقنا غرق 67 طفلًا سوريًا خلال الفترة نفسها.