“حياة الجوعى” إلى أي حد وصل طاعون الفقر في درعا؟
تجمع أحرار حوران – يوسف المصلح
بملامح وجوههم المنهكة التي اعتمرتها تجاعيد الشيخوخة المبكرة، والتي تسودها تعابير الهم والغم، يبدأ الشبان في مدن وبلدات محافظة درعا يومهم في محاولة منهم العمل لتأمين قوت يومهم والحصول على بعض من الأوراق النقدية التي لا تتجاوز قيمتها ثمن علبة واحدة من حفاظات أطفالهم أو حليبهم المعلّب، محاولين القضاء على واقع الفقر الذي أجبروا على عيشه بعد استنزاف خيرات البلاد من قبل نظام الأسد.
وشهد شهر تموز من عام 2018 مفارقة كبيرة وكان نقطة تحوّل في الحالة المعيشية لأبناء محافظة درعا بعد سيطرة النظام والميليشيات الطائفية الموالية له على المحافظة بشكل كامل وإجراء تسوية للمطلوبين والمنشقين عنه، وبسببه فقد الآلاف من أبناء المحافظة عملهم سواء مع المنظمات الإنسانية والاغاثية والطبية أو مع الفصائل العسكرية والمجالس المدنية والخدمية، التي كان يعوّل الكثير من الشبان على دخلهم الشهري منها.
طاعون الفقر يضرب بنسب عالية
“تصدّرت الجمهورية العربية السورية قائمة الدول الأكثر فقراً في العالم للعام الفائت 2020 بنسبة بلغت 82.5% من السكان الذين يصنفون تحت خط الفقر ويعانون من صعوبة في الحصول على الغذاء والدواء، ويفتقرون لأدنى مقومات الحياة الأساسية” وذلك فق ما أدلى “عمر المحمد” لتجمع أحرار حوران.
وأضاف” المحمد” وهو اسم مستعار لمهتم بالشؤون الاقتصادية السورية والذي فضل عدم الكشف عن هويته خشية الملاحقة الأمنية أنّ منطقة حوران لها تخصيص معين في تسليط الضوء على ظاهرة الفقر فيها أكثر من باقي المناطق السورية كونها من أهم المناطق إنتاجاً للقمح في سوريا وأكثرها خصوبة وتعد سلة الغذاء فيها، ولأنها من المناطق التي لا تجوع ولا تظمأ، حيث سميت سابقاً بإهراء روما وقيل فيها “إذا أمحلت حوران جاعت روما”، وذلك نظراً لدورها الكبير في إنتاج الغذاء المؤن آنذاك.
شاهد.. كيف قام قيادي في ميليشيا الأمن العسكري بإذلال المدنيين بريف درعا
اقرأ أيضًا.. أفران في درعا بلا خبز!
تتراوح النسبة اليوم بين 80% إلى 90% من أبناء المحافظة الذين يعانون من الفقر والجوع وانعدام الأمن الغذائي وعدم استقراره إضافة إلى الشلل الجزئي متفاوت النسبة في تأمين احتياجاتهم واحتياجات عائلاتهم اليومية والذي تقاس نسبته بعدد الأفراد واعمارهم، فالطفل الواحد في المنزل يحتاج لمصروف شخصين بالغين” وذلك وفق ذات المصدر.
انهيار الليرة السورية وارتفاع الأسعار
وقال” المحمد” في حواره مع تجمع أحرار حوران أنّ طاعون الفقر اجتاح البلاد عقب انهيار قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي وفقدانها لقيمتها الشرائية في الأسواق المحلية، وعجز البنك المركزي السوري عن تلافي الإفلاس الحاصل في ميزانيته، وفشله في محاولة استقطاب العملات الأجنبية إلى خزائنه، مما أدى إلى تذبذب الشؤون المالية لدى المواطنين وتخبطها بين الحين والآخر لعدم استقرار قيمة الليرة السورية.
وإلى جانب انهيار الليرة السورية تعد انتشار ظاهرة البطالة داخل محافظة درعا من أهم أسباب انتشار الفقر إضافة إلى تدني أجور العمال والفلاحين، وتدنّي الرواتب التي يتقاضاها الموظفون في القطاعين العام والخاص، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وفقدان الكثير من أصنافها.
وتواصل الليرة السورية انهيارها بشكل متتابع حيث وصلت إلى 3485 ليرة سورية مقابل دولار أمريكي واحد، في حين وصل سعر الذهب عيار 24 إلى سقف الـ 180 ألف ليرة سورية للغرام الواحد، مما أثر بشكل كبير على الحالة المعيشية للأفراد وازدياد الفقر بينهم، نظراً لارتباط الأسعار وتناسبها طرداً مع ارتفاع سعر صرف الدولار.
وتشهد الأسواق في محافظة درعا ارتفاعاً كبيراً في أسعار السلع الغذائية الأساسية، حيث وصل سعر كليو الرز “الطويل” إلى 3500 ل.س، وكيلو البرغل إلى 2000 ل.س، والزيت النباتي “1 ليتر” 6500 ل.س، وسمنة “2 كغ” 15000 ل.س، وقفص البيض 6500 ل.س، في حين وصل كيلو الشاي إلى 25000 ل.س، وكيلو القهوة 16000 ل.س، وكيلو السكر 2200 ل.س.
أما عن الخضراوات، فوصل سعر كيلو البندورة الواحد إلى 1000 ل.س، وكيلو الخيار 1500 ل.س، وكيلو الليمون 2600 ل.س، وكيلو البصل 1400 ل.س، في حين بلغ سعر كيلو لحم الخاروف 25000 ل.س، وكيلو لحم العجل 20000 ل.س، وكيلو الدجاج 5000 ل.س، وذلك وفق ما أفاد به أحد الباعة غرب درعا لأحرار حوران.
الموظفون الحكوميون الأكثر فقراً
اعتبر الموظفون الحكوميون أنفسهم الأكثر عوزاً وفقراً من غيرهم في المجتمع وذلك بسبب تدني الأجور الشهرية التي يتقاضونها لقاء عملهم في قطاعات الحكومة المختلفة، حيث تتراوح أجورهم بين الـ 23 و 35 دولار أمريكي وذلك بحسب أهمية الوظيفة ودرجتها، في حين بلغ أجر العامل الـ 4000 ليرة سورية يومياً ما يعادل 1.17 دولار أمريكي.
وندّد موظف حكومي لقب نفسه بـ “عامر العيسى” بدور نظام الأسد ومؤسساته في مكافحة الفقر وتلافي عجز الموازنة لدى مصارفه والعمل على رفع الأجور واعادتها إلى نصابها القديم من أجل الوصول الى حد الاكتفاء فقط وليس “البحبوحة” التي تنعم بها حاشيته، إضافة إلى وضع حد للمتنفذين بمقدرات الدولة لمصالحهم الشخصية، وذلك على حد تعبيره.
ونوّه الموظف الحكومي لتجمع أحرار حوران أنّ “الموظفون في القطاع الحكومي عموماً يعانون بشكل كبير من ظاهرة الفقر التي ضربت بشكل كبير في الثلاث سنوات الأخيرة” مؤكداً أنّ الراتب الشهري لا يكفي لمدة 10 أيام من تاريخ استلامه مما يعزز نظرية النسب العالية للفقر والعوز في المنطقة.
تبعيات الفقر وطوابير الذل
وارتفعت الجرائم الجنائية بشكل كبير واجتاحت قرى وبلدات محافظة درعا، وذلك بعد انتشار ظاهرة الفقر وتغلغلها في حنايا المحافظة إضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة بين أبناء الجيل الشبابي، بحيث لا تخلو الليلة الواحدة من سرقتين أو ثلاثة في البلدة الواحدة، دون وجود رادع أمني سواءً من نظام أسد أو قوات اللواء الثامن المدعومة روسياً شرقي درعا، في ظل انهيار أخلاقي كامل تشهده المنطقة سببه الرئيسي الفقر.
وسجل مكتب التوثيق في تجمع أحرار حوران مئات الجرائم الجنائية منذ اتفاق التسوية في تموز 2018، طغت نسبة السرقات فيها على نسبة باقي الجرائم الجنائية ونالت أعلى نسبة للجريمة في المحافظة، حيث تجاوزت عمليات النهب والسرقة 20 عملية يوميًا في عموم المحافظة، تتوزع بين سرقات صغيرة وكبيرة وعمليات السلب والنهب.
شاهد.. بعضها تحت أعين حواجز النظام.. ظاهرة السرقات تنشط في محافظة درعا
اقرأ أيضًا.. اللواء ناصر ديب: الوضع الأمني الداخلي استعاد عافيته.. ماذا عن الـ 285 جريمة في درعا؟
وبالإضافة لما سبق من عمليات سرقة ونشل، انتشرت ظاهرة سرقة السيارات من أمام المنازل أو من على الطرق غير المؤهلة، حيث يقوم بهذه العمليات مجموعة من الأشخاص المسلحين، السرقة في هذه الحالة بغرض الابتزاز وطلب مبلغ من المال لإعادة السيارات إلى أصحابها، في حين باتت الدراجات النارية أهم هدف للسارقين لسهولة بيعها وتصريفها.
اقرأ أيضًا.. درعا: الأهالي يدفعون ثمن الفلتان الأمني
اقرأ أيضًا.. السرقات في درعا.. من المسؤول؟
وفي مشهد ألفه الأهالي في سوريا واعتادوا على الوقوف فيه بشكل شبه يومي للحصول على جرة الغاز، او تأمين مادتي البنزين والمازوت للآليات من الكازيات المعتمدة، وأيضاً للحصول على رغيف الخبز الذي بات توافره نصراً للأهالي هناك، أضحت “طوابير الذل” من أهم المعالم التي تميز درجة الفقر التي وصلها الأهالي فيها.