اتفاق المناطق الآمنة .. مخاض عسير وولادة من الخاصرة
درعا : السبت/ 22 تموز 2017
أبو ربيع الحوراني – تجمع أحرار حوران
مازال الغموض يلف ما تمخضت عنه مفاوضات أستانة الأخيرة وما تبعها من مباحثات في العاصمة الأردنية عمان بين ممثلين عن فصائل المنطقة الجنوبية وآخرين عن الدول الراعية لاتفاق المناطق الآمنة، والذي تم الحديث عنه في الآونة الأخيرة، ولم تُعلن تفاصيله حتى اللحظة سوى ماتم تناقله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي حملت الكثير من التكهنات.
إلا أن المخاض يبدو عسيراً وقد تكون الولادة من الخاصرة. لاشك أن المرحلة التي تمر بها الثورة اليوم هي من أهم وأخطر وأعقد المراحل على الإطلاق نظراً للظروف المحيطة بها، وتقاطع الأهداف والمصالح لبعض الدول بشأن الوضع السوري، والتي بدأت تظهر ملامحها من خلال بعض التسريبات والتصريحات من هنا وهناك، والتي إن صحت فإنها تحمل معها الكثير من إشارات الاستفهام، وهذا يتطلب من الجميع اليقظة والوعي والكثير من الإحساس بالمسؤولية، والقراءة المتأنية والصحيحة لكل ما يخطط ويحضر له في الغرف السوداء، وضرورة التصدي له منعاً للوقوع في المحظور الذي قد لا تُحمد عقباه.
ففي كل الاتفاقات والتفاهمات الدولية التي تقررها الدول ذات المصالح المشتركة لتمرير وفرض إرادتها وهيمنتها على أية منطقة في العالم سواء كان ذلك عن طريق الترغيب أو الترهيب أو تحت أي ظرف تحمل معها تداعيات مؤلمة وخطيرة على الشعوب، فهي بالنهاية الضحية والوقود وهي أيضاً من ستدفع الثمن عاجلاً أم آجلاً ولسنوات قادمة أو ربما لعقود.
ولنا في الاتفاقات والتفاهمات الدولية التي صدرت بشأن مأساة الشعب الفلسطيني الشقيق خير شاهد ودليل، 70 عاماً من المؤتمرات والقرارات الدولية وما زال الاحتلال هو الاحتلال ولا شيء جديد…!
لقد دأبت الكثير من الدول على تسمية ما يجري في سوريا بـ”الأزمة السورية” واستبعدت الحديث عن ثورة شعب ثار ضد نظام دموي مستبد وظالم، وذلك لطمس الحقيقة وتبرير تدخلها، وإضفاء الشرعية عليه للإجهاز على الثورة وأهدافها، لا من أجل إيقاف القتل والتدمير كما تدعي، ولو صدقت النوايا وتوفرت الإرادات لتم ذلك منذ زمن بعيد، وهي بالتالي ليست أزمة مستعصية عن الحل، بل هي أزمة أخلاق شارك فيها العالم كله للإبقاء على نظام قاتل مجرم تجاوز في تصرفاته كل القوانين والقررات والقيم الإنسانية.
هذا النظام الذي أُعطي الضوء الأخضر والكثير من الوقت للقضاء على الثورة ولم يستطع بفضل صمود المخلصين من أبنائها، حتى جاء الآن الدور المشبوه لبعض الدول التي بدأت تضغط على المعارضة للانخراط الفعلي في العملية السياسية، ولا أعلم إنْ كان ذلك ينطبق أيضاً على المعارضة المسلحة بأن تلقي سلاحها وتكون جزءاً من المعارضة السياسية أم لا …؟!
يأتي كل ذلك في سعي محموم للكثير من الدول لتنفيذ سياساتها، وبما يتلائم مع مصلحة ورؤية كل دولة، هذه الاتفاقات التي قد تصدر نتائجها لاحقاً ضمن قرارات دولية ملزمة للجميع وقتها يصبح الأمر واقعاً لا مفر منه وليس بمقدور أحد رفضه أو التهرب منه.
إن تحقيق هذه الأهداف والخطط ليست بالأمر السهل الذي يتصوره البعض إذا ما توفرت الإرادة على رفضها ومقاومتها بكل الوسائل الممكنة السياسية منها والعسكرية، فالمسألة شائكة ومعقدة، وتنفيذها على الأرض قد يحتاج لمعجزة نظراً لمواقف بعض الفصائل التي بدأت تُظهر رفضها لمثل هذه الحلول التي إن حصلت وحسب رؤيتها ستكون لها تداعيات خطيرة أقلها القضاء على الثورة، وتبرئة النظام المجرم من كل أفعاله السابقة أو كما يقال: “عفى الله عما مضى” والأخطر من ذلك أيضاً هي البنود المبهمة والتي يصعب تفسيرها لاحقاً، وما يتبعها من بنود “سرية” غير معلنة كما هو الحال في كل الاتفاقات والتفاهمات الدولية التي تتم عندما يكون فيها أحد الأطراف ضعيفاً لايملك الكثير من أوراق القوة.
لا أحد يرغب بإبقاء الوضع على ماهو عليه فالكل يبحث عن حلٍ مشرّف يوقف القتل والتدمير، ويعيد اللاجئين والمهجرين إلى ديارهم، حل ينهي المأساة ويحقق الأهداف التي قُدمت من أجلها أعظم التضحيات ويحافظ على وحدة الوطن، وإلى أن تتحقق هذه الأهداف والمطالب لابدّ أن تبقى الأصابع على الزناد.
وهنا استذكر واختم بقول الشاعر الألماني جورج بوشنر: “إن من يقومون بثورة إلى منتصفها
إنما يحفرون قبورهم بأيديهم”.