بنية تحتية متهالكة ومساعٍ أهلية مستمرة لإصلاحها في درعا
تجمع أحرار حوران – خاص
تضاعف سعر صهريج المياه ثلاث مرات بعد عودة سيطرة النظام السوري على محافظة درعا، مع ازدياد الطلب عليه بسبب تفاقم مشكلة توفّر مياه الشرب في معظم مدن وبلدات المحافظة.
ورصد مراسلو تجمع أحرار حوران أسعار صهاريج المياه في معظم أنحاء المحافظة وعند عرض المعلومات تبيّن أنّ مناطق أقصى الأرياف ومنطقة اللجاة في الريف الشمالي الشرقي لمحافظة درعا سجّلت أعلى الأسعار، إذ يبلغ سعر تعبئة صهريج المياه (5 متر مكعب) 20 ألف ليرة سورية ويصل لحد 30 ألف ليرة.
في حين يتراوح سعر صهريج المياه في باقي مناطق المحافظة بين 11-20 ألف ليرة ويرتفع سعر تعبئة صهريج المياه في بعض المناطق بسبب بعدها عن آبار المياه وارتفاع أسعار المحروقات فإن تكلفة المازوت التي تُصرف حتى وصول الصهريج إلى هذه المناطق ترفع من سعره، ومثال عليها مدينة بصرى الشام و بلدتي بصر الحرير وتل شهاب وقرى اللجاة.
ويتحدث أحمد الحشيش، المنحدر من بلدة تل شهاب، لتجمع أحرار حوران، إنّ البلدة الواقعة بالريف الغربي تواجه مشاكل في توافر مياه الشرب ووصولها عبر شبكتها الرئيسية للمنازل. ومع الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها جميع الأسر فإن معظمهم يضطرون لشراء صهاريج المياه شهريًا، بتسعيرة 25 ألف ليرة للصهريج الواحد كحد أقصى، إذا كان المنزل في طرف البلدة بعيدًا عن آبار المياه، وتضطر هذه الأسر لشراء أكثر من صهريج واحد كل شهر.
وتعاني معظم مدن وبلدات المحافظة من مشاكل وأعطال في شبكات المياه والتمديدات الصحية بسبب قِدَمها أو تضررها بقصف النظام وروسيا قبل السيطرة على الجنوب السوري كاملًا، إضافة لقلة ساعات تشغيل التيار الكهربائي المطلوب لتشغيل مضخّات المياه إلى منازل الأهالي.
الجميع يعاني!
لم تكن أضرار القصف الوحيدة المتسببة بأعطال شبكات المياه والكهرباء في محافظة درعا، فزيادة على عتق هذه التمديدات المهترئ معظمها، عانت المحافظة من سرقة هذه التمديدات وتعفيشها في البداية عند دخول قوات النظام والميليشيات الحليفة لها إلى الجنوب السوري.
وبحسب إفادات مجموعة من الأهالي لتجمع أحرار حوران، فقد شملت السرقات كابلات الكهرباء وأبراج ومحولات الكهرباء ومولّدات الكهرباء في مضخات المياه والآبار إضافة لبعض التمديدات الكهربائية والصحية في المنازل.
يتحدث “ضرار المصري”، اسم مستعار لشاب عشريني، عن الأضرار الكبيرة التي لحقت البنى التحتية والمراكز الخدمية ومعظم المنازل في بلدته عتمان المتاخمة لمركز مدينة درعا من الجهة الشمالية، إذ وجدوها “خرابًا” وفق تعبيره، بعدما عادوا إليها في عام 2018 عقب أن سمح لهم النظام السوري، الذي كان سيطر عليها بعد معارك مع فصائل المعارضة مطلع عام 2016، أفضت لتهجير جميع سكانها منها.
وتشكو معظم مدن وبلدات المحافظة من ندرة المياه وتقنين الكهرباء الذي لا يساعد على قضاء حاجاتهم اليومية، فأصبحت الحياة تشبه حياة القرون الوسطى، حيث المعيشة دون كهرباء ويصعب تأمين المياه التي لم تعد متاحة إلّا من خلال الآبار الخاصة، وفق ما وصف الأهالي.
أما منطقة اللجاة فهناك الضرر الأكبر، ومعاناة أهالي قرى اللجاة تفوق الجميع، إذ تعيش العديد من تجمعات القرى الصغيرة بلا مياه تمامًا أو تتغذى على بئر وحيد كحالة تجمع قرى المسيكة جنوبي منطقة اللجاة إذ يضطر الأهالي هناك لتعبئة صهاريج المياه بسعر يبلغ 30 ألف ليرة سورية للواحد، في حين يعتمد معظمهم على الرعي كمصدر لدخل عوائلهم، وفق محمد البيدر أحد سكان اللجاة.
ويضيف البيدر، “يغيب التيار الكهربائي كليًا عن تجمع قرى المسيكة منذ أكثر من 8 سنوات، في حين تمتنع المؤسسات الحكومية عن توصيل وتمديد الكهرباء لهذه القرى بحجة ترتّب على سكانها فواتير كهرباء بمبالغ كبيرة وعليهم تسديدها، بينما لا توجد أي من مقومات الحياة في قرى اللجاة الشرقية حيث تتخذ قوات النظام منها ثكنات عسكرية بعدما دمرت كافة البنى التحتية فيها”.
ويعاني أهالي بلدة معربة شرقي درعا من تعطل مضخة “البئر الغربي” الذي يضخ المياه إلى أحياء مختلفة من البلدة منذ عام ونصف، في حين دعا الأهالي إلى جمع التبرعات من أجل رفع البئر وإعادة لف محرك المضخة لرفده في الخدمة من جديد، من أجل التخفيف من أزمة المياه فيها.
وعلى الرغم من سيطرة النظام السوري وحلفائه على محافظة درعا، وإطلاق الوعود التي “ستخدم المصلحة العامة”، وتعيد للمدنيين حقهم في ترميم المراكز الحكومية وخدمات البنى التحتية، التي دمرتها قواته العسكرية وحلفاؤها في هجمات عسكرية سابقة على المحافظة، إلا أن مناطق درعا وأريافها ما زالت تعاني من تدني مستوى الخدمات فيها نتيجة عدم إعطائها أولوية من قبل مؤسسات النظام السوري.
ووصلت نسبة الدمار في البنى التحتية والمنازل في أحياء مدينة درعا التي كانت خط مواجهات ساخنة بين فصائل المعارضة وقوات النظام وداعميه ما قبل تموز 2018، إلى 70%.
شبكات المياه مهترئة، وكهرباء نادرة
يعاني الأهالي في المحافظة ولاسيما في الريف الشرقي منها بشكل كبير من تباعد فترات الحصول على المياه الرئيسية التي تورد إليهم من الصنابير العامة والشبكة الرئيسية للمياه، بسبب قلة الآبار وخروجها المتكرر عن الخدمة، وعدم رفد الشبكات فيها بآبار جديدة كافية لتغطية الريف الشرقي من المحافظة، وسط انعدام شبه تام للخدمات الأساسية.
وقالت المهندسة ” أسماء الخليل”، اسم مستعار لمهندسة من شرق درعا، والتي فضلت عدم كشف هويتها لاعتبارات أمنية إنّ “المنطقة الممتدة من بلدة كحيل وحتى مدينة بصرى الشام، تعاني بشكل خاص من انقطاع المياه فيها لفترات طويلة، وذلك نتيجة الاهتراءات في أنابيب المياه نظرًا لقدمها واستخدامها منذ ما يقارب ال 20 عامًا”.
وأضافت “الخليل” أنّ انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة عن محطات الضخ على طول امتداد خط إرواء كحيل وعدم انتظامه بشكل مستمر على اللوحات الكهربائية يؤدي إلى ضعف وانقطاع مجرى المياه الوارد إلى قرى وبلدات السهوة والمسيفرة وغصم ومعربة ومدينة بصرى الشام والقرى المحيطة بها والتي تتغذى على ذات الخط، إضافة إلى قلة الآبار والأعطال المتكررة”.
بدوره اشتكى” أحمد المقداد” من قرية معربة صعوبة تأمين مياه الشرب وغلاء أسعارها في البلدة في ظل العجز المالي الذي يعصف بالأهالي في مختلف مناطق محافظة درعا وذلك ضمن جملة المعاناة التي يمرون بها، لاسيما وأن متوسط الأجور الشهرية للعمال والموظفين تبلغ 60 ألف ليرة سورية.
وأضاف المقداد، أنّه منذ 25 يوماً لم تصل المياه إلى الحي الأوسط من البلدة، مما يضطر الأهالي لشراء صهاريج المياه التي تبلغ سعتها 5م، ويتراوح سعرها بين 18 و25 ألف ليرة سورية، وذلك بحسب بعد البئر الخاص عن البلدة، الأمر الذي يسبب مشكلة كبيرة لدى الأهالي في تأمين مياه الشرب”.
وفضلًا عن ضعف شبكات المياه، يعاني سكاّن محافظة درعا من فترات انقطاع التيار الكهربائي الطويلة، إذ وصلت في أرياف درعا إلى ساعتين يوميًا فقط.
وقال المقداد، إن “الكهرباء تصل في عدد من قرى وبلدات الريف الشرقي من درعا ساعتين يوميًا، واحدة صباحًا وأخرى مساءً، والتي لا تكفي حتى لشحن البطاريات التي نستخدمها للإضاءة ليلًا، ناهيك عن الانقطاعات نتيجة الأعطال خلال تلك الساعتين، وذلك بسبب الحمل الزائد على المحولات الكهربائية، نتيجة عدم وجود محولات كافية، الأمر الذي أجبر الكهربائيين على ربط أحياء على المحولات الكهربائية لأحياء أخرى”.
تكاتف شعبي يخفف المعاناة
ألقى النظام السوري العبء الأكبر في إعادة تأهيل البنى التحتية في درعا على عاتق المواطنين فيها، مستغلًا في ذلك حاجتهم الماسة لها، وسط غياب شبه تام للمنظمات الخدمية المهتمة في إنشاء وترميم مرافق البنى التحتية كمحطات الكهرباء والآبار والطرقات.
وعلى الرغم من الشكاوى المتكررة التي قدمها الأهالي في بعض قرى درعا للمجالس المحلية والمؤسسات التابعة للنظام، من تردي الطرقات، وكثرة الحفر فيها، والضرر الناجم عن استخدامها، إلا أن الرد كان سلبيًا بحجة عدم توفر الموارد والميزانية اللازمة لترميم الطرقات أو تمهيدها.
وفي سياق آخر، أطلق أهالي مدينة بصرى الشام بريف درعا الشرقي مع حلول شهر رمضان حملة خيرية هدفها إيصال 200 صهريج من المياه الصالحة للشرب مجانًا للعائلات الفقيرة في المدينة والتي لا تقوى على شراء المياه نظرًا لغلاء أسعارها، وبواقع صهريج واحد لكل عائلة وهو ما يكفيها لأغلب أيام الشهر.
أما في بلدة الطيبة، قام المجلس البلدي التابع للنظام فيها بإطلاق مبادرة لجمع مبلغ مالي من أجل إعادة تأهيل بعض الآبار، وجمع مبلغ مليوني ليرة سورية، في حين أطلق الأهالي مبادرة أخرى لذات الهدف وصلت قيمة التبرعات فيها إلى 10 ملايين ليرة سورية.
وتمكن الأهالي عن طريق المبادرة الخاصة بهم من إصلاح وإعادة تأهيل ثلاثة آبار حكومية، أصبحت تخدّم أهالي البلدة الحدودية مع الأردن، وأشرف على المبادرة لجان شعبيّة تشكلت من أبناء البلدة، ولم يسمحوا للمجلس البلدي بالتدخل في أعمالها.
ويوضح محمد البيدر الذي تحدث معه تجمع أحرار حوران في منطقة اللجاة، إنّ الأهالي يحاولون تخفيف معاناتهم عن طريق المبادرات الشعبية لإصلاح شبكات المياه والكهرباء على نفقتهم الخاصة، بعدما امتنعت مؤسسات النظام الحكومية من التدخل، وفق محمد البيدر.
في حين يضطر الأهالي لتقديم مبالغ مالية لبعض الموظفين الحكوميين على سبيل الرشوة من أجل القيام بأعمال التصليح، فأكبر راتب لموظف حكومي لا يكفي لتغطية نفقات المعيشة لأيام.
ويقول خالد عقاب، اسم مستعار لرجل رفض الكشف عن اسمه بسبب الظروف الأمنية، إنه ومعظم سكان قرية المسيكة في منطقة اللجاة اضطروا لدفع مبلغ 25 ألف عن كل منزل يقوم موظفو مؤسسة الكهرباء بإصلاح وإيصال التيار الكهربائي لهم.
وشهدت معظم مدن وبلدات محافظة درعا مبادرات شعبية متشابهة كحفر آبار المياه أو إصلاحها أو تركيب إنارة للطرقات تعمل على الطاقة الشمسية، وجميع هذه المبادرات كانت تشرف عليها لجان شعبية، وقال مراسل تجمع أحرار حوران في درعا البلد، إنّ كل عشيرة من العشائر هناك تكفّلت بتغطية نفقات تركيب إنارة تعمل بالطاقة الشمسية في عدد معين من الطرق في المنطقة مما أدى لتحسين الأوضاع قليلًا.
هذا التقرير هو الرابع في سلسلة تقارير تُنشر عبر موقع تجمع أحرار حوران، تتناول ملف إعادة الإعمار في محافظة درعا من خلال الجهود الشعبية، وأنجَز التقرير فريق العمل بتجمع أحرار حوران (عامر الحوراني – يوسف المصلح – أيمن أبو نقطة) وبشراكة فاعلة من قبل منظمة غصن زيتون.
وأنجز هذا التقرير بدعم من الاتحاد الأوربي ومنظمة Free Press Unlimited، لكنه لا يعكس موقف الاتحاد الأوربي، ويتحمل “تجمع أحرار حوران” المسؤولية عما جاء فيه.
بدعم من الاتحاد الأوروبي