المبادرات الشعبية الحل الذي ينتشل درعا من تحت أنقاضها
تجمع أحرار حوران – خاص
اضطرّت عشرات المنظمات والجمعيات الإغاثية والدولية لإيقاف عملها في الجنوب السوري مع سيطرة النظام السوري عليه في تموز 2018، بسبب عدم حيازتها على موافقة حكوميّة للعمل فيه، ليتوقف بذلك دعم المراكز الخدمية التي كانت ترعاها تلك المنظمات في المنطقة إلى جانب توقف المساعدات الإغاثية عن سكانها.
ومع توقف المساعدات التي اعتادت أن تقدمها هذه المنظمات للجنوب السوري بشكل كامل، حُرم آلاف المدنيين الأكثر احتياجًا من الاستفادة منها في ظل ظروف معيشية واقتصادية تزداد صعوبة.
وأغلقت العديد من النقاط الطبية والمشافي الميدانية ومراكز التعليم والتنمية البشرية أبوابها في محافظة درعا أقصى الجنوب السوري، بعدما توقفت المنظمات التي كانت تدعمها، خاصة وأن كوادر هذه المنظمات إما غادروا المحافظة أو أوقفوا نشاطاتهم فيها خوفًا من الاعتقال والملاحقة الأمنيّة كونهم عملوا خلال فترة سيطرة المعارضة عليها.
المبادرات الشعبية “الحل الأمثل”
أضحت المبادرات الشعبية في محافظة درعا، هي الحل الإسعافي الوحيد لسكانها الذين تأثروا كثيرًا بتوقف عمل المنظمات فيها وتضرر نسبة كبيرة من المراكز الخدمية والحيوية والبنى التحتيّة، في ظل الظروف الأمنيّة التي تعيشها المحافظة إلى جانب الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
وعملت المبادرات الشعبية على سد الثغرات في القطاعات الصحية والتعليمية والخدمية، من خلال ترتيب الأولويات، وحصر الاحتياجات الأكثر جسامة لدى المدنيين في مناطق مختلفة من محافظة درعا ثم العمل عليها.
وتبدأ المبادرات دائمًا بالإعلان عن الهدف منها إن كان حفر بئر مياه أو إصلاح مركز خدمي أو غير ذلك، ثم تُجمع التبرعات من مغتربي المحافظة وتتشكل لإدارتها لجان مجتمعية تشرف على صرف هذه الأموال لتحقيق أهداف المبادرة.
وقال عضو من اللجنة المجتمعية بمدينة بصرى الشام، وهو يعمل في مستشفى المدينة الواقع شرق درعا، إنّ “المبادرة التي استهدفت تأهيل ضواغط الأوكسجين في المستشفى بجهود شعبية، ساعدت على تأمين الأوكسجين لجميع المرضى المصابين بفيروس كورونا في منطقة بصرى الشام كاملة، دون الحاجة لجلب الأوكسجين من خارج المدينة”.
وأضاف عضو اللجنة، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه بسبب المخاطر الأمنية، في حديثه لتجمع أحرار حوران، إنّ المبادرة ساعدت الأهالي على تأمين العلاج مجانًا، في ظل الأزمة الاقتصادية والأوضاع المعيشية الصعبة التي يعاني منها جميع المواطنين داخل سوريا.
ويتحدث أسامة الزايد، وهو مدني يعيش في ريف درعا الغربي، إنّه مع غياب المنظمات الدولية التي كانت تدعم مناطقنا من خلال المشاريع التي نفذتها دعمًا للقطاعات الخدمية والبنى التحتية، ومع غياب دور مؤسسات النظام عن عملها، فوجدنا أن المبادرات الشعبية هي الحل الوحيد المتبقي أمامنا.
ونوّه ” الزايد” في حديثه أن المبادرات غطت جوانب الحياة التي يحتاجونها بشكل أساسي ومثال عليها مبادرات ترميم آبار المياه، وشبكات الكهرباء وترميم بعض المشافي والمراكز الحيوية التي قدمت الخدمات المختلفة لأبناء المحافظة، حتى أصبحت تنافس بشكل تقريبي عمل المنظمات سابقًا في درعا بسبب الفوائد التي جناها المدنيون منها.
وتبرعت فتون فارس، وهي لاجئة من محافظة درعا في ألمانيا، بمبلغ 200 ألف ليرة سورية لدعم مبادرة سقيا خربة غزالة، وهي البلدة التي تنحدر منها الفارس، ويشرف على هذه المبادرة لجنة شعبية من البلدة، وتهدف لتحسين واقع منظومة المياه فيها من خلال إصلاح وحفر عدة آبار في البلدة.
وقالت الفارس لتجمع أحرار حوران، إنّها تبرعت كونها على اطّلاع بمعاناة سكّان بلدتها من شح المياه، من خلال تواصلها مع ذويها هناك، كما إنّ الكثير من مغتربي البلدة شاركوا في هذه المبادرة وأرادت أن تساهم أيضًا في تخفيف المعاناة عن أهلها لذا “قدمت هذا المبلغ البسيط الذي لن يخسرني شيئًا لكن يغير كثيرًا في بلدتي” بحسب قولها.
تحدّيات عديدة
على الرغم من النتائج الإيجابية التي أنجزتها المبادرات الشعبية، والتوافق الشعبي على مدى فاعليّتها إلّا أنها واجهت جملة من التحديات والعوائق، نظراً للكم الكبير من الأعمال والمستحقات المالية التي احتاجتها المشاريع التي تم تنفيذها.
وأوضح حسن الزعبي من ريف درعا الشرقي، وهو مطّلع على أعمال المبادرات الشعبية في المنطقة، إنّ المدفوعات المالية التي تحتاجها مشاريع إعادة الإعمار وصلت مبالغ ضخمة تحتاج إلى جهات دولية لدعمها، ولن تقدر المبادرات الشعبية على تنفيذ المزيد من الأعمال الضخمة خلال الفترات القادمة، نظرًا للضغط المالي الكبير الذي يتحمله مغتربي المحافظة في هذه المبادرات.
وأضاف الزعبي، إن معظم المبادرات تخص كل منطقة على حدة، وهي تحتاج إلى تنسيق وتنظيم أكبر بين مدن وقرى درعا، لكي تعم المنفعة على جميع أبناء المحافظة، وليس على أساس مناطقي فقط.
وفي ذات السياق قال عضو في اللجنة الشعبية في بلدة خربة غزالة، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، إنّ الموافقات الأمنية على المشاريع الخدمية سببت عقبات كبيرة في طريق عمل اللجنة بتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار، نظرًا لحجم الأسئلة المطروحة علينا عن مصادر التمويل وكل ما يخص آلية العمل”.
وتابع، “ناهيك عن الرشاوي التي اضطررنا إلى تقديمها لموظفي النظام في الدوائر الحكومية من أجل تسهيل الأوراق اللازمة لسير المشاريع، ومن أجل الحصول على الموافقات والأوراق اللازمة، مشيرًا إلى أن الجميع يحاول استغلالهم طامعين بالمبالغ الضخمة التي جمعتها اللجان من مغتربي البلدة”.
ودعا المنظمات غير القادرة على العودة للعمل في درعا اليوم ومغتربي المحافظة للاستمرار بدعم اللجان المجتمعية التي تشرف على هذه المبادرات التي من شأنها تخفيف أعباء الحياة عن الأهالي الذي يعانون الأمرين بسبب ضعف القطاع الخدمي والعيش تحت خط الفقر.
الجدير بالذكر أن مؤسسات النظام وبلدياته ردّت على الكثير من طلبات الأهالي بترميم البنى التحتية أو المدارس والمراكز الخدمية، بحثهم على السعي وحدهم لإطلاق حملات تبرعات من أجل القيام بتلك الترميمات، وذلك بسبب عدم وجود ميزانية كافية لتنفيذ هكذا أعمال، على حد وصفها.
السبيل لحفظ ماء وجه النظام!
بعد غياب المنظمات الدولية وفشل النظام في استقطاب منظمات وشركات تتعهد بمشاريع إعادة الإعمار في الجنوب السوري، إلى جانب دوره في تقييد عودة المنظمات للجنوب مجددًا بعد مغادرة كوادرها نحو الشمال السوري وخارج البلاد، جاءت المبادرات الشعبية بمثابة الوسيلة التي حفظ ماء وجهه بفضلها.
المبادرات الشعبية في خربة غزالة شملت كل شيء، إذ استهدفت إعادة تأهيل ثلاث مدارس وإنارة الطرقات الرئيسية وإصلاح وحفر 5 آبار مياه والسعي لشراء آلية لجمع النفايات لدعم مجلس بلدية خربة غزالة كون البلدة تعاني من واقع بيئي سيئ، وما زالت أعمال اللجنة الشعبية مستمرة في إكمال هذه المبادرات التي جمعوا لها أكثر من 250 مليون ليرة سورية، وفق عضو اللجنة.
ولم تشارك إلا منظمتان في عملية ترميم وتأهيل مدرستين فقط في خربة غزالة، بينما اكتفى النظام بأعمال بسيطة جدًا كصيانة مخبز البلدة، في حين سارع الإعلام الرسمي الموالي للنظام لتغطية المبادرات الشعبية التي استهدفت المرافق الخدمية فيها.
أما في بصرى الشام فقام المجتمع المحلي بالكثير من المبادرات الشعبية إلى جانب إعادة تأهيل المشفى فيها، فشملت المبادرات تعبيد الطرقات وتأهيل الصرف الصحي وشبكات الكهرباء وتوفير معظم الخدمات فيها، ضمن عقود رسمية بين مؤسسات النظام واللجان القائمة على هذه المشاريع.
وبينما يدّعي النظام متابعته الحثيثة وإشرافه على معظم هذه المبادرات، يعمل في الحقيقة على الكسب من هذه التبرعات من خلال الرشاوي التي يتلقاها موظفو مؤسساته بشكل علني، مع إبطاء سير أعمال هذه المبادرات من خلال الإجراءات الحكومية وطلب الحصول على معلومات عن كل ما تتلقاه اللجان المجتمعية وما تصرفه ونشاطاتها كافة وأحيانا يصل الأمر للتدخل بأعمالها.
هذا التقرير هو الخامس في سلسلة تقارير تُنشر عبر موقع تجمع أحرار حوران، تتناول ملف إعادة الإعمار في محافظة درعا من خلال الجهود الشعبية، أنجَز التقرير فريق العمل بتجمع أحرار حوران (عامر الحوراني – يوسف المصلح – أيمن أبو نقطة) وبشراكة فاعلة من قبل منظمة غصن زيتون.
وأنجز هذا التقرير بدعم من الاتحاد الأوربي ومنظمة Free Press Unlimited، لكنه لا يعكس موقف الاتحاد الأوربي، ويتحمل “تجمع أحرار حوران” المسؤولية عما جاء فيه.
بدعم من الاتحاد الأوروبي