درعا.. نزيف التسويات المستمر
تقرير حقوقي حول الانتهاكات في درعا في النصف الأول من العام 2021
تجمع أحرار حوران: مؤسسة إعلاميّة محليّة، تنقل أحداث الجنوب السوري وتسلط الضوء على الأوضاع الميدانية والخدمية والاجتماعية، وتوثق الانتهاكات، بشكل مهني وحيادي يراعي أسس العمل الصحفي.
أولًا: المقدّمة
لم تذق محافظة درعا طعم الاستقرار منذ سيطرة النظام السوري وحلفائه عليها في تموز/يوليو 2018، بموجب اتفاق التسوية الذي وقعته فصائل المعارضة مع النظام السوري برعاية روسيّة، والذي أفضى بتسليم مناطق المعارضة وأسلحتهم الثقيلة والمتوسطة للنظام، مقابل عدة بنود كان أبرزها تسوية أوضاع المطلوبين والمنشقين، وحل ملف المعتقلين بشكل كامل.
ومنذ أن تم توقيع هذا الاتفاق لم تصل المحافظة إلى أي استقرار وخاصةً من الناحية الأمنية، بالإضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادي للمواطنين، والنقص الشديد في الخدمات الأساسية.
وتصاعدت وتيرة العنف في المحافظة نظراً لعدم التزام النظام وضامنه الروسي ببنود الاتفاق، ونسفهم الوعود التي أطلقوها لحل الأزمات داخل المحافظة، وعلى عكس ذلك شرع النظام بتنفيذ الاعتقالات والمداهمات لمنازل المطلوبين، وتنفيذ عمليات اغتيال بحق المعارضين ممن أجروا التسوية في المحافظة، والتي ارتفعت وتيرتها بشكل واضح خلال العامين 2020/2021.
ثانيًا: ملخص التقرير
يقدّم تجمع أحرار حوران تقريره النصف سنوي لعام 2021، والذي يتحدث عن الضحايا في محافظة درعا، القتلى والمعتقلين والمخطوفين، مع إبراز دور النظام السوري وأجهزته الأمنية في ازدياد أعداد الضحايا، وعدم قيامه بأي جهد إيجابي لإعادة الاستقرار الذي أعلن عن سعيه نحوه بعد عملية التسوية عام 2018.
ويوضح التجمع بشكل تفصيلي عمليات القتل التي تتضمن عمليات الاغتيال، وعمليات قتل ناتجة عن اشتباكات مسّلحة، وتتضمن كافة الأطراف الفاعلة، بشكل شهري ومفّصل حسب عدد القتلى والمصابين، بالإضافة لعمليات الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري.
ثالثًا: التحدّيات
واجه تجمع أحرار حوران جملةً التحديات خلال إعداد هذا التقرير أبرزها:
1: التحديات الأمنيّة المتمثّلة بسيطرة الأجهزة الأمنية السورية على محافظة درعا، وملاحقتها لكل الناشطين على الأرض.
2: الخوف من قبل الأهالي وذوي القتلى والمعتقلين من عمليات انتقامية وعمليات الاعتقال، في حال الإدلاء بأي معلومات عن ذويهم.
3: صعوبة الوصول من قبل المراسلين لبعض المناطق التي وقعت فيها بعض الانتهاكات نتيجة انتشار الحواجز التابعة للأجهزة الأمنية السورية التي تقطع أوصال المناطق عن بعضها البعض.
وقد استطاع تجمع أحرار حوران التغلب على معظم هذه التحديات والصعوبات من خلال:
1: التواصل بشكل سري من أهالي وذوي الضحايا، مع التركيز على مبدأ عدم الإضرار الذي من الممكن أن يلحق بهم خلال جمع أي معلومات.
2: التأكيد لأهالي وذوي ضحايا على أن المعلومات التي يقومون بالإدلاء بها هي معلومات سرية للغاية، مع الإشارة للثقة التي يتمتع بها تجمع أحرار حوران ومراسلوه لدى الأهالي في محافظة درعا.
3: بالنسبة للمناطق التي لم يتمكن مراسلو تجمع أحرار حوران من الوصول إليها، فقد تم جمع المعلومات عبر نشطاء ومصادر خاّصة من أبناء تلك المناطق.
رابعًا: منهجيّة التقرير
اعتمد تجمع أحرار حوران عبر شبكة مراسليه المتوزعين في مختلف المناطق داخل محافظة درعا على مبدأ “تقاطع المعلومات” والحصول عليها من مصدرها الأساسي، وذلك من أجل ضمان مصداقية المعلومة، إضافة إلى شبكة واسعة من المصادر الخاصة بالتجمع، مع الالتزام بضمان سلامتهم.
ويهدف التقرير إلى تسليط الضوء على الضحايا في المحافظة، وإثبات عدم وجود جديّة من النظام السوري وأجهزته الأمنية، ومن الضامن الروسي، في وضع حد لعمليات القتل بكافة أشكاله ولعمليات الاعتقال.
خامسًا: التقرير
تم الاعتماد خلال إنجاز هذا التقرير على النقاط التالية:
1: القتلى في المحافظة
بلغ عدد القتلى الذين وثقهم تجمع أحرار حوران في محافظة درعا، خلال النصف الأول من العام 2021، مئتين وستين قتيلًا “260”، حيث بلغ عدد القتلى المدنيين 113 قتيلًا بنسبة 44% من مجموع القتلى الكلي، وبلغ عدد القتلى غير المدنيين 147 قتيلًا بنسبة 56% من المجموع الكلي.
وتشمل إحصائية القتلى على من قُتل في محافظة درعا، بغض النظر عن مكان توّلده، وعلى أبناء محافظة درعا الذين قتلوا خارجها، إذ يشير مكتب التوثيق في تجمع أحرار حوران إلى أنّ الإحصائية لا تشمل قتلى الجنايات، حيث يجري توثيقهم بملف خاص.
بلغ عدد عمليات ومحاولات الاغتيال في محافظة درعا، خلال النصف الأول من العام 2021، مئة وثلاث وسبعون “173”، نتج عنها سقوط 125 قتيلًا من إجمالي عدد القتلى، قام تجمع أحرار حوران بتوثيق بياناتهم، جميعهم من الذكور البالغين، في حين سجّل المكتب 79 إصابة نتيجة محاولات الاغتيال، و 34 نجو من تلك المحاولات.
ولوحظ شهر أيّار/مايو أنّه سّجل 38 عملية ومحاولة اغتيال في المحافظة، في أعلى نسبة مقارنة بالأشهر الأخرى، كما لوحظ توثيق 29 قتيلًا في أعلى نسبة بقتلى الأشهر الأخرى.
توّزع القتلى حسب التقسيمات
أ. المدنيّون:
بلغ عدد القتلى المدنيين 113 قتيلًا بنسبة 44% من مجموع القتلى الكلي، من بينهم 10 أطفال ذكور، و 4 أطفال إناث.
ومن إجمالي القتلى المدنيين سُجّل 44 قتيلاً نتيجة لعمليات الاغتيال والتصفية المباشرة، و 29 قتيلًا من العناصر والقياديين السابقين بفصائل المعارضة الذين أجروا التسوية وأصبح تصنيفهم بحكم المدني لعدم انخراطهم ضمن أي تكتل عسكري.
وقتل 16 مدنيًا من أبناء محافظة درعا تحت التعذيب في معتقلات النظام السوري، 9 قتلى اعتقلوا عقب سيطرة النظام على المحافظة، من بينهم 5 منشقين سابقين عن قوات النظام سّلموا أنفسهم عقب إجراءهم ورقة التسوية.
وقتل 12 مدنيًا بينهم 6 أطفال ذكور و 4 أطفال إناث، بانفجار المخلّفات الحربية في المزارع وقرب الثكنات العسكرية التي كانت تتخذها قوات النظام مقرات لها قبيل سيطرتها على المحافظة، في حين قتل طفلان بانفجار عبوات ناسفة في المحافظة، كما قضى طفل متأثراً بإصابته قبل سبع سنوات إثر قصف جوي لطائرات النظام السوري على أحياء سكنية للمدنيين في المحافظة.
وقتل 7 أشخاص بينهم طفلين ويافع بإطلاق نار مباشر في ظروف غامضة، كما توفي شخص بعد معاناة استمرّت لخمسة أشهر مع مرض سببه جرثومة ناجمة عن تسمم متعمّد من قبل ضباط النظام خلال فترة اعتقاله لدى مكتب أمن الفرقة الرابعة، بالإضافة لتوثيق مقتل شاب مدني برصاص عناصر اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس المدعوم من قبل روسيا.
ب: المقاتلون:
بلغ عدد القتلى غير المدنيين 147 قتيلًا بنسبة 56% من إجمالي عدد القتلى، متوزعين بين عناصر المعارضة الذين لم يوّقعوا على اتفاقية التسوية، وعناصر قوات النظام، وعناصر تنظيم داعش.
ومن إجمالي عدد القتلى سُجّل 46 من عناصر المعارضة السابقين الذين وقعوا على اتفاقية التسوية وانخرطوا ضمن تشكيلات عسكرية تابعة للنظام السوري، نتيجة عمليات الاغتيال والتصفية المباشرة، و 4 عناصر من تنظيم داعش، و مدني سابق انضوى في صفوف الفرقة الرابعة التابعة للنظام السوري، بالإضافة لمدني سابق انضوى في صفوف الأمن العسكري وأصبح قياديّاً.
وقتل 2 من عناصر فصائل المعارضة على يد قوات النظام السوري، رفضا التوقيع على اتفاق التسوية مع قوات النظام، أحدهما قتل في مواجهات مسلحة مع قوات النظام شمال سوريا.
وسجل مكتب التوثيق مقتل 90 عنصرًا وضابطًا من قوات النظام السوري في محافظة درعا، خلال عمليات استهداف متفرّقة، موزعين على الرتب العسكرية (11 ملازم، 2 نقيب، 1 رائد، 8 مساعد، 61 مجند) بالإضافة لخمسة قياديين، وعنصر أمن، ومتطوع في الجمارك، ومن المجموع الكلي 88 شخصاً ينحدرون من خارج محافظة درعا.
وقتل 3 من أبناء محافظة درعا بعد سوقهم إلى الخدمة العسكرية في صفوف قوات النظام أثناء مشاركتهم بالأعمال العسكرية في مختلف المحافظات السورية.
2: المعتقلون في المحافظة
بلغ عدد المعتقلين من أبناء محافظة درعا خلال النصف الأول من العام 2021، والذين وثقهم تجمع أحرار حوران “178”معتقلًا، حيث يشكل الذكور البالغين ما نسبته 98%، والذكور غير البالغين ما نسبته 1%، والإناث البالغات ما نسبته 1%.
ولوحظ شهر حزيران/يونيو 2021 بأنّه سجل أعلى نسبة عن باقي الأشهر في عمليات الاعتقال بحق أبناء محافظة درعا، حيث ضلعت قوات النظام باعتقال 54 معتقلاً في هذا الشهر.
وأفرج النظام السوري عن 44 معتقلًا من أصل مجموع المعتقلين الكلي، فيما لايزال مصير 134 معتقلاً مجهول حتى الآن.
ويشير المكتب إلى أّن أعداد المعتقلين الفعّلية خلال النصف الأول من العام 2021 في محافظة درعا، تعتبر أكبر من الرقم الموثق لدى المكتب بسبب امتناع عدد من أهالي المعتقلين عن الإدلاء بمعلومات عن أبنائهم لتخّوفات أمنّية نظًرا للقبضة الأمنية للنظام السوري في المحافظة.
3: المخطوفون في المحافظة
بلغ عدد حالات الخطف في محافظة درعا خلال النصف الأول من العام 2021، أربعة وعشرون حالة “24” بينهم طفلين وشابّة ويافع، أفرج عن 17 مخطوفاً منهم، بينهم طفلاً واحداً، وقتل 6 بعد اختطافهم، فيما لا يزال مصير الطفل المخطوف (أمير وليد الراشد) مجهولاً حتى ساعة إعداد التقرير.
وشهدت محافظتي درعا والسويداء عمليات خطف متبادلة نظرًا لانتشار عصابات خطف تطلب فديات ماليّة في ريف درعا الشرقي وفي ريف السويداء الغربي، ما أدى لحدوث توترات في المنطقة، حيث سّجل مكتب توثيق الانتهاكات في تجمع أحرار حوران خلال النصف الأول من العام 2021 اختطاف 18 شخصاً من أبناء محافظة درعا خلال تواجدهم في محافظة السويداء، أُفرج عنهم جميعاً باستثناء الشاب (رنس الحريري) لايزال مصيره مجهولاً.
سادسًا: التوصيات
1: يدعو تجمع أحرار حوران المنظمات الحقوقية، الدولية والسورية لتسليط الضوء بشكل أكبر على الانتهاكات التي تقع في محافظة درعا، وخاصة عمليات الاغتيال، والاعتقال التي تجري خارج نطاق القانون، والعمل على إيصالها للمنظمات الحقوقية الأممية ذات الاختصاص.
2: يطالب تجمع أحرار حوران القوات الروسية التي تعتبر ضامنة لعملية التسوية في المحافظة، لوضع حد للأجهزة الأمنية السورية لإيقاف عمليات الاعتقال التعسفي المستمرة منذ اتفاق التسوية في تموز/يوليو 2018، والكشف عن مصير أكثر من 5762 شخصا من أبناء محافظة درعا اعتقلتهم الأجهزة الأمنية السورية منذ آذار 2011 وأخفت مصيرهم حتى الآن.
3: كما يطالب تجمع أحرار حوران المجتمع الدولي الضغط على النظام السوري لوقف أعمال العنف والقتل التي تقف خلفها أجهزته الأمنية، والتي تعتمد على تصفية الأشخاص الذين خضعوا لإجراءات التسوية ويحملون أوراق التسوية.
سابعًا: الخاتمة
يضع مكتب توثيق الانتهاكات في تجمع أحرار حوران تقريره النصف الأول من العام 2021 بين أيديكم، ويتوجه بخالص الشكر إلى المراسلين الميدانيين و الراصدين للانتهاكات، وإلى جميع المتعاونين مع المكتب والذين يقومون على تزويده بالبيانات وتعزيزها وتصويب الأخطاء إن وجدت.