حكاية مؤلمة.. إعلامي سوري يروي محاولة هجرته غير الشرعية نحو أوروبا
تجمع أحرار حوران – وردة الياسين
“كان الظلام قد حل وبدأ الأدرينالين يتدفق في أجسادنا إحساساً باللحظات الحاسمة التي قد تغيّر مصيرنا ومستقبلنا”، هذا اقتباس من حكاية عمار الزايد عن رحلته، التي كان يأمل أن توصله إلى إحدى الدول الأوربية حيث من الممكن أن يعيش حياة أفضل وأكثر كرامة وإنسانية، إلا أنها كانت تجربة قاسية تعرض فيها لأبشع الانتهاكات النفسية والجسدية.
عمار الزايد “31 عاماً”، صحفي وإعلامي من مدينة الحراك في ريف درعا الشرقي، خرج من درعا عام 2018 مع قوافل التهجير إلى الشمال السوري، ثم دخل إلى تركيا عبر طرق التهريب، شاركنا في تجمع أحرار حوران تفاصيل رحلته “رحلة العذاب” كما يسميها، هرباً من ظروف حياته الصعبة في تركيا.
جهّز عمار حقيبة خاصة لرحلة التهريب من تركيا إلى اليونان، وكانت البداية من إسطنبول إلى نهر “إفروس (ماريتسا)” المشكّل حدّاً بين تركيا واليونان.
يقول “بعد صراع مع الذات وبعد نفاذ طاقتي في التأقلم مع الحياة في تركيا، نتيجة لمصاعب الحياة والتضييق علينا كسوريين، وعدم القدرة على تحقيق أياً من ظروف الاستقرار أو الحصول على عمل، اتّخذت قرار الخروج بطريقة غير شرعية من تركيا”.
ويتابع الزايد، “في 25 آب/ أغسطس الفائت وصلت برفقة مجموعة من الأشخاص إلى نهر “إفروس” بعد تجهيز حقيبة صغيرة، ودفعت مبلغ (100 يورو) تضمن أجرة السيارة التي أقلّتنا من إسطنبول إلى نهر “إفروس”، وأجرة البلم الذي سنقطع به النهر وثمن نقاط العلام التي حصلنا عليها من المهرب”.
أما نقاط العلام فهي مواقع جغرافية مثل (نبعة ماء، نهر، مناطق تخييم مناسبة..إلخ) يتم تجميعها من مجموعات أو من مهرّبين في خرائط لتكون دليلاً للمهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، كما أخبرنا عمار.
بدأ الظلام يُخيّم بينما كان عمار ومن معه يتقسّمون إلى مجموعات استعداداً لقطع النهر والوصول إلى المناطق اليونانية “بعد تقسيمنا إلى مجموعات، توجهنا إلى أطراف النهر، كان الظلام قد حل، وبدأ الأدرينالين يتدفق في أجسادنا إحساساً باللحظات الحاسمة التي قد تغير مصيرنا ومستقبلنا”.
ويضيف عمار “بكل هدوء وحذر، وصلت أنا وعشرة أشخاص آخرين كانوا معي في البلم إلى ضفة النهر في الجانب اليوناني لتبدأ المعاناة”.
ولأنّ عمار ومن معه لم يكونوا يملكون آلاف الدولارات التي يتم دفعها للمهربين ولطرقات التهريب، استعان بما يسمى “حقيبة سفر” وهي قناة على تيليجرام ينضم إليها الباحثين عن طرق التهريب إلى أوروبا، حيث تحدد القناة نقاط داخل خرائط غوغل ترشد المنضمين لها إلى الطرقات والمناطق الأفضل للوصول إلى أوروبا.
يقول عمار “استقبلنا وعبر هواتفنا عدة نقاط تم تحديدها داخل خرائط جوجل من قناة “حقيبة سفر”، داخل الأراضي اليونانية، بدأ التحرك بحذر شديد وصمت مطبق بين الأشجار والأشواك والأعشاب الطويلة، وصولاً إلى نقطة حساسة بعد مئات الأمتار وهي طريق الخط العسكري لمراقبة الحدود في اليونان”.
الجميع بين التحرك بسرعة وبحذر لم يكن أمراً سهلاً عند عمار ومن معه، الذين كان يسيطر عليهم الخوف من وقوعهم بيد عناصر “الكومندوس” اليوناني، ويصف ذلك عمار “بعد اجتيازنا للطريق العسكري، نتحرك نحو النقاط التي تم تحديدها مسبقاً من قبل “حقيبة سفر” بسرعة كبيرة ولكن بحذر بين حقول عباد الشمس والذرة والغابات الشوكية الكثيفة، والتي أدت إلى إعاقة تقدمنا لساعات حتى وصولنا على مقربة من النقطة الأصعب والأهم وهي منطقة “الأوتبان” (الأوتوستراد الدولي بين تركيا واليونان)”.
يتابع “طلبت ممن معي أن نأخذ استراحة صغيرة قبل قطع الأوتبان، ولكن لم نلبث إلا بضع دقائق حتى بدأنا نسمع أصوات ولغة غريبة ونشاهد أضواء تظهر بين الأشجار، لندرك أنّ من نسمعهم هم عناصر “الكومندوس” اليوناني الذين كانوا يختبئون بين الأشجار للقبض على جموع المهاجرين”.
نجا عمار ومن معه من كمين عناصر “الكومندوس”، حيث جلس ومن معه دون حراك قرابة الساعتين مختبئين بين الأشجار، حتى تيقنوا من مغادرة العناصر الذين ألقوا القبض على جماعات أخرى من المهجرين كانوا يحاولون قبلهم قطع الأوتبان.
وهنا يقول عمار عن عناصر الكومندوس “لا يكتفي هؤلاء العناصر بإلقاء القبض على المهاجرين بل يوسعوهم ضرباً ويسلبونهم ملابسهم وأموالهم ويقتادوهم إلى السجون لترحيلهم لاحقاً إلى تركيا”.
قبل ساعة ونصف من بزوغ الفجر يصل عمار وصحبه إلى جبل وعر بعد أن تمكنوا من قطع الأوتبان وحالفهم الحظ بالنجاة من كمائن الكومندوس، “نتوجه إلى عمق جبل وعر بعد ان استطعنا وبعد ساعات صعبة من قطع الأوتبان والاختباء من كمائن الكومندوس ونخيّم بتلك المنطقة بعد انتهاء أول يوم من المغامرة، نتناول بضع تمرات والقليل من الماء والخبز، نتمدد داخل أكياس النوم ونعلن انتهاء المرحلة الأولى والأصعب على حد قول السابقين من المهاجرين”.
اقرأ أيضاً.. تحقيق: “تجارة بالأرواح”.. في هجرة أبناء الجنوب السوري
“لم يخطر على بالي أبداً بأنني سأكون هنا يوماً ما أزاحم الأشجار والأشواك وأساوم على حريتي ومستقبلي في تلك الأماكن وتلك البلاد” يقول عمار، وهو يتابع وصف رحلته القاسية مع صحبه بين الغابات والأشجار الكثيفة مع قلة الطعام وشح الماء والاختباء من أضواء عناصر الكومندوس، والتعب والإرهاق والخوف والضغط النفسي والذي رافقتهم مدة ثمانية أيام.
ويضيف “تمضي ثمانية أيام ويتكرر فيها روتين يومي، الغابات، الأشواك، وعورة المنطقة، عشرات الكيلومترات تقطع يومياً، الخوف من القبض علينا، والعثور على مجموعات كبيرة من المهاجرين باختلاف بلدانهم، الأفغان، السنغال، المغرب، إيران ومن قارة إفريقيا، غالبيتهم لا يتحدثون اللغة العربية ويسيرون بأعداد كبيرة، ويبدأ ناقوس الخطر يدق بسبب قلة الطعام والماء المتبقي لدينا واقتراب نفاذ الشحن في (بورات) الطاقة وبطاريات هواتفنا، فكان لزاماً علينا البحث عن منطقة آمنة، لنجد وبالاستعانة بخرائط الـ (GPS) قرية قريبة كانت تبعد عنا حوالي عشرين كيلومتر مربع”.
اليوم التاسع من المسير شهد أمطار شديدة وبرد قارس والاقتراب من لحظة الوقوع بين أيدي عناصر “الكومندوس”، يروي عمار “نتيجة للمطر الشديد الذي انهمر في اليوم التاسع للرحلة، أصبحت الأرض لزجة وطينية الامر الذي جعلنا نتعرض لعدة انزلاقات خطيرة، وبالرغم من ذلك أكملنا المسير باتجاه القرية الأمنة علّنا نتمكن فيها من الحصول على الطعام والماء ومن شحن هواتفنا” ولكن كمائن “الكومندوس” اليوناني تمكنت من عمار وصحبه هذه المرة.
“اقتربنا من طريق زراعي، تقدمت مجموعتي، وتسللت بكل حذر لمعاينة المكان وخوفا من وجود كمين محتمل، ماهي إلا لحظات حتى سمعت صوت إطلاق نار قريب جداً وصراخ عالي لم أدرك ماذا جرى لبضع ثواني، ثم أدركت أنني وقعت في كمين الكومندوس”.
لم يشفع لعمار أنه هارب من الحرب في سوريا، ولم يحميه كونه صحفي وإعلامي من تلقي الضرب والإهانة من عناصر الكومندوس اليوناني.
وعن ذلك يحكي عمار “وقعت بين يدي الكومندوس الذي طلب مني وباللغة الإنكليزية أن أستلقي على الأرض، وطلب مني أن أخرس، وبدأ بشتمي وبضربي بمؤخرة السلاح على كتفي وبركلي عدة مرات والطلب مني عدم الحركة، بالرغم من أنني أخبرته بأنني من سوريا وبأنني أعمل صحفي وإعلامي ظناً مني بأن هذا الأمر سيشفع لي”.
وتمكن الكومندوس اليوناني من إلقاء القبض على عدد من الأفراد الذين كانوا مع عمار، في حين تمكن قسم منهم الفرار.
طلب الجندي اليوناني من عمار أن يترجم ما يقوله للأشخاص الذين تم إلقاء القبض عليهم ” طلب الجندي اليوناني من كل شخص على حدا التخلص من حقيبة النوم والحقيبة الأخرى، وبعدها طلب منا إخراج كافة الأشياء في جيوبنا، من مال وجوالات وأوراق ثبوتية. كما طلب منا خلع الأحذية والجوارب ووضعها في مكان معين أشار إليه، ثم الاستلقاء مجدداً لتبدأ عملية التفتيش الشخصي، بحثا عن سلاح أو أدوات حادة، وبعدها قال بأنه علينا إمساك الحقائب والزحف باتجاه عنصر أشار إليه حيث وجه هذا العنصر لنا مجموعة أسئلة مثل، من أين أنتم؟ وهل يوجد أفغان؟ وكم كان عددكم؟ وهل يوجد مجموعات أخرى غيركم؟ من هو قائد مجموعتكم؟ ماهي وجهتكم؟ ثم طلب مني أخبار الجميع بعدم الركض أو الهروب او فعل أشياء غبية وإلا سيقوم بإطلاق النار”.
لمدة ساعات يمشي عمار ومن معه حفاة بين الحجارة والأشواك دون ماء أو طعام، حتى وصولهم إلى طريق معبد “بعد مسير لعدة ساعات تدمّت فيها أرجلنا من المشي بين الحجارة والأشواك، نصل إلى طريق معبد، لتستقبلنا سيارة ينزل منها رجلين يحمل أحدهما عصا، قام بفتح الباب الخلفي للسيارة وأمر الجميع بالصعود إلى السيارة وبدأ بركلنا وضربنا بالعصا حتى تكورنا جميعاً داخل زاوية السيارة، ثم أغلق الباب وتحركت السيارة لساعات، أصابتنا القشعريرة حيث بدأت تنخفض درجة حرارة أجسامنا بسبب برودة الجو والتعب والألم والجوع والعطش والخوف”.
إلى مركز يتم فيه تجميع المهاجرين وتفتيشهم وسجنهم وسلبهم وضربهم يصل عمار ورفاقه، وكان نصيب الأفغان والإيرانيين والأفارقة من الضرب هو الحصة الأكبر كما ذكر عمار.
ويسجن عمار في زنزانة مساحتها بضعة أمتار، وعن ذلك يقول “حبست في زنزانة مساحتها عدة أمتار، مكتظة بالمهاجرين غير الشرعيين من جميع الجنسيات، وكل من في الزنزانة تعرض للضرب والتنكيل. تشبه رائحة الزنزانة رائحة المرحاض لحد كبير، بسبب تسرب مياه الصرف الصحي إلى داخلها وانتشار الحشرات بشكل كبير فيها”.
يستيقظ عمار على صوت أحد حراس السجن بعد أن أجبره التعب والإرهاق الشديد على النوم لبضع ساعات “تغلب التعب والإرهاق علي، نمت لعدة ساعات، ولكنني استيقظت على صوت أحد الأشخاص طلب من آمر الزنزانة تجهيز (50) شخصاً على مجموعتين لنقلهم في سيارة”، ويتابع “حشرت مع حوالي 30 شخصاً في السيارة التي رافقنا فيها رجال ملثمين، تحركت السيارة لأوقن بعد فترة أن وجهة السيارة كانت حدود نهر إفروس”.
“مشيت ومن معي مئات الأمتار بجانب النهر حفاة تخترق أقدامنا الأشواك بعد أن تم إنزالنا من السيارة، تسلخ جلودنا عصا الجنود اليونانيين الذين بدأوا بتجهيز القوارب المطاطية لنقطع النهر استعداداً لنقلنا على دفعات إلى الجانب التركي” يصف عمار مشهد العودة إلى البداية.
وبعدها يصل عمار الجانب التركي ويعود خائباً إلى تركيا بعد أن قضى عشرة أيام في رحلة ذاق فيها طعم الخوف والقلق، والتعرض للانتهاك الجسدي والنفسي.
سألت عمار هل تفكر وبعد ما تعرضت له في رحلتك القاسية تلك، أن تعاود الكرة من جديد وتغادر تركيا بالطرق غير الشرعية؟ فكان رده ودون تردد “نعم، نعم أكيد، إذا توفر المال سأعاود الكرة مرتين وثلاث، فالجميع يريد العيش في مجتمع يحافظ على الكرامة والعدل والمساواة، وهذا الشيء من الصعب وجوده في تركيا حالياً في ظل ضخ الأحزاب المعارضة التركية لأخبار كاذبة حول اللاجئين السوريين، مما يزيد من العنصرية والكراهية تجاه السوريين، يضاف إلى ذلك أن الوضع الاقتصادي يتدهور في تركيا ولا تتوفر فرص العمل، وهي وإن وجدت ستكون ذات دخل متدني جداً لا يأمن العيش بكرامة وإنسانية”.
اقرأ أيضاً.. درعا: هجرة وعمالة بسن مبكرة.. مستقبل مجهول ينتظر الأطفال!
ويسلك المهاجرون السوريون عدة طرق للوصول إلى القارة الأوروبية، بحثاً عن حياة أفضل، من دول الجوار وخاصة عقب زيادة الحوادث العنصرية ضد السوريين، وهرباً من القبضة الأمنية التي يحاول النظام إعادة فرضها على من تبقى بقوة السلاح، فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يمر بها السوريون داخل البلاد.
ويتعرض عشرات المهاجرين بشكل دوري، لانتهاكات تمارس بحقهم، جراء إلقاء القبض عليهم أثناء محاولتهم العبور لأوروبا، كالانتهاكات التي حصل تجمع أحرار حوران على شهادات عنها من قبل مهاجرين، تعرضوا للتعذيب الوحشي داخل السجون الليبية، أدى إلى وفاة مهاجر من مدينة نوى بمحافظة درعا، ناهيك عن غرق العشرات منهم في البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى عمليات النصب والاحتيال، وتشليح الأموال من قبل تجار البشر.
وتوفي يوم أمس الشاب” عبد الهادي المنور” من أبناء محافظة درعا، متأثراً بجراحه التي أصيب بها برصاص حرس الحدود التركية، أثناء محاولته العبور من الأراضي السورية إلى التركية، وذلك بعد أن شددت الحكومة التركية على حدودها، منعاً لتدفق اللاجئين السوريين، الأمر الذي حطم أحلام الكثير من الراغبين في الهجرة عبر الشمال السوري.